من قتلى أحد، ثم يقول: " أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا " ولا يخالف هذا ما رواه الشيخان، وأبو داود والنسائي، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت كالمودع للاحياء والأموات (1). لان المراد بالصلاة هنا الدعاء، وقوله: صلاته على الميت المراد به كدعائه للميت من غير نية ولا تكبير.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جاءت الاخبار كأنها عيان من وجوه متواترة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه، قال: وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والمخالف يقول: لا يصلى على القبر إذا طالت المدة، قال: وكان صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم، حين علم قرب أجله توديعا لهم بذلك، ولا يدل ذلك على نسخ هذا الحكم الثابت.
الحادي والعشرون: اختلف في عدة من ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فروى البخاري وأبو نعيم، والإسماعيلي واللفظ له، عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه قال: سمعت أبا عثمان يعني النهدي يقول: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام - وفي رواية: التي يقاتل فيهن - غير طلحة وسعد، قال سليمان: فقلت لأبي عثمان: وما علمك بذلك؟ قال: عن حديثهما، يعني أن سعدا وطلحة أخبرا أبا عثمان بذلك.
قال الحافظ: وهذا قد يعكر عليه ما ورد أن المقداد كان ممن بقي معه، كما تقدم في القصة في حديث سعد، لكن يحتمل أن المقداد إنما حضر بعد الجولة، ويحتمل أن يكون انفرادهما معه في بعض المقامات، وقد روى مسلم من طريق ثابت، عن أنس قال: أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في سبعة ورجلين من قريش، وكان المراد بالرجلين طلحة وسعد، وكان المراد بالحصر المذكور تخصيصه بالمهاجرين، كأنه قال: لم يبق معه من المهاجرين غير هذين، ويتعين حمله على ما أولته، وأن ذلك باعتبار اختلاف الأحوال، وأنهم تفرقوا في القتال، فلما وقعت الهزيمة فيمن انهزم وصاح الشيطان: " قتل محمد "، اشتغل كل واحد بهمه والذب على نفسه، كما في حديث سعد، ثم عرفوا عن قرب ببقائه فتراجعوا إليه أولا فأولا، ثم بعد ذلك كان يندبهم إلى القتال فيشتغلون به.