فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: إن الذي ذكر نعيم لحق فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة لما سمعوا ذلك: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.
وتكررت رسل قريش وغطفان إلى بني قريظة، وهم يردون عليهم بما تقدم، فيئس هؤلاء من نصر هؤلاء، فاختلف أمرهم، وخذل الله تعالى بينهم على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه.
ذكر انهزام المشركين وإرسال الله تعالى عليهم البرد والريح والملائكة تزلزلهم قال ابن إسحاق: وبعث الله الريح في ليلة باردة شاتية. فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم.
وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير قال: لما كان يوم الخندق أتى جبريل ومعه الريح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى جبريل: " ألا أبشروا! " ثلاثا، فأرسل الله تعالى عليهم الريح، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت الأوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، وأنزل الله تعالى: (إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) [الأحزاب 9].
وروى ابن أبي حاتم وأبو نعيم والبزار برجال الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب فقالت: انطلقي فانصري الله ورسوله، فقالت الجنوب: إن الحرة لا تسري بالليل، فغضب الله تعالى عليها فجعلها عقيما، وأرسل الصبا، فأطفأت نيرانهم، وقطعت أطنابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور ".
وروى الإمام أحمد والشيخان والنسائي عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور " (1).