ولما بلغ عتبة قول أبي جهل: " انتفخ والله سحره "، قال: سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره: أنا أم هو؟.
ثم التمس عتبة بضة ليدخلها في رأسه، فما وجد في الجيش بيضة تسعة من عظم هامته، فلما رأى ذلك اعتجر ببرد له على رأسه.
وسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال له إيماء بن رحضة: بئس الفأل هذا؟.
وذكر محمد بن عمر الأسلمي والبلاذري وصاحب الامتاع: أن قريشا لما نزلت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليهم، يقول لهم: ارجعوا فإنه إن يلي هذا الامر مني غيركم أحب إلي من أن تلوه مني، وأن إليه من غيركم أحب إلى من أن إليه منكم فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصحا فاقبلوه، فوالله لا تنتصرون عليه بعد ما عرض من النصح، فقال أبو جهل: والله لا نرجع بعد أن مكننا الله منهم.
قال ابن عائذ: وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: غر هؤلاء دينهم، منهم أبو البختري بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام وذكر غيرهم لما تقالوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنوا أن الغلبة إنما هي بالكثرة، فأنزل الله تعالى: * (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) * [الأنفال 49] لا يغالب، ينصر من يستحق النصر وإن كان ضعيفا، فعزته وحكمته أوجبت نصر الفئة المتوكلة عليه، أخبر تعالى أن النصر بالتوكل عليه لا بالكثرة.
وروى ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذا فاربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزل: * (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة) * [القلم 17] يقول في قدرتهم عليهم كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة.
ذكر ابتداء الحرب وتهييج القتال يوم بدر ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صف أصحابه قبل أن تنزل قريش، وطلعت قريش ورسوله الله صلى الله عليه وسلم يصف أصحابه ويعدلهم، كأنما يقوم بهم القدح ومعه يومئذ قدح، يشير إلى هذا: تقدم، وإلى هذا: تأخر، حتى استووا، ودفع رايته إلى مصعب بن عمير، فتقدم حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضعها، ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الصفوف فاستقبل المغرب، وجعل الشمس خلفه، وأقبل المشركون فاستقبلوا الشمس، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدوة الشامية، ونزلوا بالعدوة اليمانية، فجاء رجل فقال: يا رسول الله: إني أرى أن نعار الوادي، فإني أرى ريحا قد هاجت من أعلى الوادي، وإني أراها بعثت بنصرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد صففت صفوفي ووضعت رايتي، فلا أغير ذلك "، ولما عدل