فبقاؤهم في النوم مع السلامة في تلك المعركة من أدل الدلائل على حفظ الله تعالى لهم، ذلك مما يزيل الخوف من قلوبهم، ويورثهم الامن، ولأنهم لو شاهدوا قتل إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد خوفهم.
السادس عشر: قوله: ونهى عن المثلة، قيل: فقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم بالحرة، وأجيب عن ذلك بأمرين: أحدهما: أنه فعل ذلك بهم قصاصا، لانهم قطعوا أيدي الرعاء وأرجلهم، وسملوا أعينهم، كما ذكر أنس، كما سيأتي ذلك في أبواب أحكامه صلى الله عليه وسلم في الحدود. ثانيهما: أن ذلك كان قبل تحريم المثلة.
السابع عشر: وقع في رواية أبي الوقت والأصيلي من رواة البخاري في باب غزوة أحد من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: " هذا جبريل آخذ برأس فرسه [عليه أداة الحرب] ". قال الحافظ: وهو وهم من وجهين: أحدهما: أن هذا الحديث تقدم سنده ومتنه في باب شهود الملائكة بدرا، ولهذا لم يذكره هنا أبو ذر ولا غيره من متقني رواة البخاري، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم. الثاني: أن المعروف في هذا المتن يوم بدر لا يوم أحد.
الثامن عشر: قول عبد الرحمن بن عوف: قتل مصعب بن عمير هو خير مني. لعله قاله تواضعا، ويحتمل أن يكون ما استقر عليه الامر من تفضيل العشرة على غيرهم، بالنظر إلى من لم يقتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وقع من أبي بكر الصديق رضي الله عنه نظير ذلك، كما تقدم في قتل سعد بن الربيع.
التاسع عشر: قول أنس بن النضر: إني لأجد ريح الجنة دون أحد، يحتمل أن يكون ذلك على الحقيقة بأن يكون شم رائحة طيبة زائدة على ما يعهده، فعرف أنها الجنة، ويحتمل أن يكون أطلق ذلك باعتبار ما عنده من اليقين، حتى كأن الغائب عنه صار محسوسا عنده، والمعنى أن الموضع الذي قاتل فيه يؤول بصاحبه إلى الجنة.
العشرون: روى ابن إسحاق عمن لا يتهم عن مقسم عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فشجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى فوضعوا إلى حمزة فصلى عليهم وعليه معهم ثنتين وسبعين صلاة.
قال السهيلي: هذا حديث ضعيف لضعف الحسن بن عمارة الذي أبهمه ابن إسحاق، وإن كان غيره فهو مجهول، ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شئ من مغازيه إلا في هذه الرواية، في غزوة أحد، وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده.
وروى الإمام أحمد من طريق عطاء بن السائب، عن الشعبي، عن ابن مسعود، نحو رواية ابن عباس، قال في البداية: سنده ضعيف من جهة عطاء بن السائب، ويرده ما رواه الستة:
إلا مسلما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين