رزقهم من الجنة غدوة وعشية " (1).
والأحاديث والآثار في فضل شهداء أحد كثيرة، وفيما ذكر كفاية.
السادس والعشرون: قوله صلى الله عليه وسلم: " جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ".
قال الحافظ أبو القاسم الخثعمي رحمه الله تعالى: أنكر قوم هذه الرواية، وقالوا: لا تكون روحان في جسد واحد، وأن ذلك محال. قال: وهذا جهل بالحقائق، فإن معنى الكلام بين، فإن روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر، فيكون في هذا الجسد الاخر كما كان في الأول، إلى أن يعيده الله تعالى يوم القيامة كما خلقه. وهذه الرواية لا تعارض ما رووه من قوله: في صور طير خضر، والشهداء طير خضر، وجميع الروايات كلها متفقة المعنى، وإنما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد، فيجئ الجوهر بهما جميعا، وأما روحان في جسد فليس بمحال إذا لم نقل بتداخل الأجسام، فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها، وقد اشتمل عليهما جسد واحد، وهذا لو قيل: إن الطائر له روح غير روح الشهيد، وهما في جسد واحد، فكيف؟ وإنما قال في أجواف طير خضر، أو في صورة طير، كما تقول: رأيت ملكا في صورة إنسان، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد والنسائي، وابن ماجة وابن حبان، عن كعب بن مالك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ". تأوله بعضهم مخصوصا بالشهيد. وقال بعضهم: إنما الشهيد في الجنة يأكل حيث شاء، ثم يأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في العرش، وغير الشهيد من المؤمنين، ولكن الروح نفسه طائر يعلق بشجر الجنة، ويعلق - بضم اللام - أي يتشبث بها ويرى مقعده منها، ومن رواه يعلق - بفتح اللام - فمعناه يصيب منها العلقة، أي ينال منها ما هو دون نيل الشهيد، فضرب العلقة مثلا، لان من أصاب العلقة من الطعام فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممن أدرك الرغد، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى، وإن أراد ب " يعلق " الاكل نفسه فهو مخصوص بالشهيد، فتكون رواية الضم للشهداء، ورواية الفتح لمن دونهم، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وإنما تأوي إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا، فيعلم بذلك الليل والنهار، وبعد دخولهم الجنة لا تأوي إلى تلك القناديل. والله أعلم. وإنما ذلك مدة البرزخ. هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث.
قال مجاهد: الشهداء يأكلون من ثمر الجنة، وليسوا فيها. وأنكر أبو عمر قول مجاهد