قال محمد بن عمر رحمه الله: فكان أبو سعيد يقول: فقدم علينا وفدهم فافتدوا الذرية والنساء، ورجعوا بهم إلى بلادهم، وخير من خير منهن أن تقيم عند من صارت في سهمه فأبين إلا الرجوع. وافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وخرجت بجارية أبيعها في السوق، فقال لي يهودي: يا أبا سعيد، لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة، فقلت: كلا إني كنت أعزل عنها، قال: تلك الموؤودة الصغرى، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ذلك، فقال: كذبت يهود، كذبت يهود.
ذكر ما ظهر من ابن أبي في هذه الغزوة من النفاق بينما المسلمون على ماء المريسيع وقد انقطع الحرب، وهو ماء ظنون إنما يخرج في الدلو نصفه، أتى سنان بن وبر الجهني وعلى الماء جمع من المهاجرين والأنصار، فأدلى دلوه وأدلى جهجاه بن مسعود الغفاري أجير عمر بن الخطاب، فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه، وتنازعا فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى سنان: يا للأنصار، ونادى جهجاه: يا للمهاجرين، وفي لفظ: يا لقريش، فأقبل جمع من الحيين، وشهروا السلاح حتى كادت أن تكون فتنة عظيمة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟! فأخبر بالحال فقال:
" دعوها فإنها منتنة، ولينصر الرجل أخاه ظالما كان أو مظلوما، فإن كان ظالما فلينهه، وإن كان مظلوما فلينصره ". وإن جماعة من المهاجرين كلموا عبادة بن الصامت، وجماعة من الأنصار كلموا سنانا فترك حقه، وكان عبد الله بن أبي جالسا مع عشرة مع المنافقين: [منهم] مالك، وسويد، وداعس، وأوس بن قيظي، ومعتب بن قشير، وزيد بن اللصيت وعبد الله بن نبتل، وفي القوم زيد بن أرقم رضي الله عنه وهو غلام لم يبلغ الحلم أو قد بلغ، فبلغ ابن أبي صياح جهجاه: يا آل قريش، فغضب ابن أبي غضبا شديدا، وقال: والله ما رأيت كاليوم قط، والله إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قومي غلبوني، أو قد فعلوها؟ لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منتنا، والله ما صرنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: " سمن كلبك يأكلك "، والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه، وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من حضر من قومه، فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم: أنزلتموهم بلادكم فنزلوا، وأسهمتموهم في أموالكم حتى استغنوا، أما والله لو أمسكتم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم، ثم لم يرضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا، فقتلتم دونه، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا.
فقام زيد بن أرقم بهذا الحديث كله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده نفرا من المهاجرين والأنصار، فأخبره الخبر، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وتغير وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا