وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد: " اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية "، فنزلت فتيب عليهم كلهم (1).
وروى الشيخان وابن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لاحد، قنت بعد الركوع: " اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف "، يجهر بذلك. وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: " اللهم العن فلانا "، لاحياء من العرب، حتى أنزل الله تعالى * (ليس لك من الامر شئ) * (2) الآية. وفي لفظ: " اللهم العن بني لحيان ورعلا وذكوان وعصية، عصت الله ورسوله "، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت هذه الآية (3).
وروى ابن إسحاق والنحاس في ناسخه، عن سالم بن عبد الله، قال: جاء رجل من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنك تنهى عن السب، ثم تحول فحول قفاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكشف عن استه، فلعنه ودعا عليه، فنزلت ثم أسلم الرجل، فحسن إسلامه.
قال الحافظ: حديث أنس وحديث ابن عمر سيان لنزول الآية، ويحتمل أن تكون نزلت في الامرين جميعا، فإنهما كان في وقعة واحدة، والرواية الثانية عن أبي هريرة إن كانت محفوظة احتمل أن يكون نزول الآية تراخى عن وقعة أحد، لان قصة رعل وذكوان كانت بعد أحد، والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم. بسبب قصة أحد، والله أعلم. ويؤيد ذلك قوله في صدر الآية: * (ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم) * [آل عمران 127] أي يخزيهم ثم قال: * (أو يتوب عليهم) * أي فيسلموا * (أو يعذبهم) * أي إن ماتوا كفارا).
الرابع عشر: في مداواته صلى الله عليه وسلم جرحه إشارة إلى جواز التداوي، وأن الأنبياء صلى الله عليه وسلم قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، ليعظم لهم بذلك الاجر، وتزداد درجاتهم، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
الخامس عشر: قال العلماء: النعاس في القتال أمنة، وفي الصلاة من الشيطان، وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ من الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله تعالى، ثم ذلك النعاس كان فيه فوائد، لان السهر يوجب الضعف والكلال، والنوم يفيد عود القوة والنشاط، ولان المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم،