الوليد وسليمان، إن زلا فشلهما (1) وإن مالا فأقمهما، وإن غفلا فذكرهما، وإن ناما فأيقظهما، وقد أوصيتهما بك، وعهدت إليهما أن لا يقطعا شيئا دونك. فقال عمر بن عبد العزيز:
يا أمير المؤمنين أوصيتهما بكتاب الله فليقيماه في عباده وبلاده، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليحيباها، ويحملا الناس عليها؟ فقال عبد الملك: قد فعلت ووليي فيكم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين. ثم قال: وقد علمت يا عمر مكان فاطمة مني، ومحلها من قلبي، وإني آثرتك بها على جميع آل مروان، لفضلك وورعك، فكن عند ظني بك، ورجائي فيك، وقد علمت أنك غير مقصر، ولا مضيع حقها، ولكن الله قد قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين، قوموا عصمكم الله وكفاكم. ثم خرجوا من عنده. قال: ثم دعا عبد الملك بالوليد وسليمان، فدخلا عليه. فقال للوليد. اسمع يا وليد، قد حضر الوداع، وذهب الخداع، وحل القضاء. قال: فبكى الوليد. فقال له عبد الملك:
لا تعصر عينيك علي كما تعصر الأمة الوكساء (2)، إذا أنا مت فاغسلني، وكفني، وصل علي وأسلمني إلى عمر بن عبد العزيز يدليني في حفرتي، واخرج أنت إلى الناس، والبس لهم جلد نمر، واقعد على المنبر، وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال بوجهه عنك كذا، فقل له بالسيف كذا، وتنكر للصديق والقريب، واسمح للبعيد، وأوصيك بالحجاج خيرا، فإنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وكفاكم تقحم تلك الجرائم.
قال: فلما توفي عبد الملك، ومات من يومه ذلك، خرج الوليد إلى الناس، وقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: نعمة ما أجلها، ومصيبة ما أعظمها، وإنا لله وإنا إليه راجعون. نقل الخلافة، وفقد الخليفة، ثم دعا الناس إلى البيعة، فلم يختلف عليه أحد، ثم كان أول ما ظهر من أمره، وتبين من حكمه، أن أمر بهدم كل دار ومنزل، من دار عبد الملك إلى قبره، فهدمت من ساعتها، وسويت بالأرض، لئلا يعرج بسرير عبد الملك يمينا وشمالا، وليكون النهوض به إلى حفرته تلقاء منزله، ثم كتب ببيعته إلى الآفاق والأمصار، وإلى الحجاج بالعراق فبايع له الناس ولم يختلف عليه أحد. فدخل عليه سليمان بن عبد الملك. فقال له: يا أمير المؤمنين، اعزل الحجاج بن يوسف عن العراقين فإن الذي أفسد الله به أكثر مما أصلح. فقال له الوليد: إن عبد الملك قد أوصاني به خيرا. فقال سليمان: عزل الحجاج والانتقام منه من طاعة الله، وتركه من معصية الله.