الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ٤٣
لست عليهم بوكيل، كل امرئ بما كسب رهين. قال الحجاج: اشتمهم أم أمدحهم؟ قال سعيد: لا أقول ما لا أعلم، إنما استحفظت أمر نفسي. وقال الحجاج: أيهم أعجب إليك؟
قال: حالاتهم يفضل بعضهم على بعض. قال الحجاج: صف لي قولك في علي. أفي الجنة هو، أم في النار؟ قال سعيد: لو دخلت الجنة فرأيت أهلها علمت، ولو رأيت من في النار علمت، فما سؤالك عن غيب قد حفظ بالحجاب؟ قال الحجاج: فأي رجل أنا يوم القيامة؟ فقال سعيد:
أنا أهون على الله من أن يطلعني على الغيب. قال الحجاج: أبيت أن تصدقني؟ قال سعيد: بل لم أرد أن أكذبك. فقال الحجاج فدع عنك هذا كله، أخبرني ما لك لم تضحك قط؟ قال:
لم أر شيئا يضحكني، وكيف يضحك مخلوق من طين، والطين، والطين تأكله النار، ومنقلبه إلى الجزاء، واليوم يصبح ويمسي في الابتلاء. قال الحجاج: فأنا أضحك. فقال سعيد: كذلك خلقنا الله أطوارا. قال الحجاج هل رأيت شيئا من اللهو؟ قال: لا أعلمه. فدعا الحجاج بالعود والناي. قال: فلما ضرب بالعود، ونفخ في الناي بكى سعيد. قال الحجاج: ما يبكيك؟
قال: يا حجاج ذكرتني أمرا عظيما، والله لا شبعت ولا رويت ولا اكتسيت، ولا زلت حزينا لما رأيت. قال الحجاج: وما كنت رأيت هذا اللهو؟ فقال سعيد: بل هذا والله الحزن يا حجاج، أما هذه النفخة، فذكرتني يوم النفخ في الصور، وأما هذا المصران (1) فمن نفس ستحشر معك إلى الحساب، وأما هذا العود فنبت بحق، وقطع لغير حق. فقال الحجاج:
أنا قاتلك. قال سعيد: قد فرغ من تسبب في موتي. قال الحجاج: أنا أحب إلى الله منك؟ قال سعيد: لا يقدم أحد على ربه حتى يعرف منزلته منه، والله بالغيب أعلم. قال الحجاج: كيف لا أقدم على ربي في مقامي هذا، وأنا مع إمام الجماعة، وأنت مع إمام الفرقة والفتنة؟ قال سعيد: ما أنا بخارج عن الجماعة، ولا أنا براض عن الفتنة، ولكن قضاء الرب نافذ لا مرد له. قال الحجاج: كيف ترى ما نجمع لأمير المؤمنين؟ قال سعيد: لم أر، فدعا الحجاج بالذهب والفضة، والكسوة والجوهر، فوضع بين يديه. قال سعيد: هذا حسن إن قمت بشرطه. قال الحجاج: وما شرطه؟ قال: أن تشتري له بما تجمع الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة، وإلا فإن كل مرضعة تذهل عما أرضعت، ويضع كل ذي حمل حمله، ولا ينفعه إلا ما طاب منه. قال الحجاج: فترى طيبا؟ قال: برأيك جمعته، وأنت أعلم بطيبه. قال الحجاج: أتحب أن لك شيئا منه؟ قال: لا أحب ما لا يحب الله. قال الحجاج: ويلك.
قال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة فأدخل النار. قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه. قال:

(1) المراد بالمصران: الأوتار التي يضرب عليها، لأنها مأخوذة من مصارين الحيوانات.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175