احتذى مثال آبائه في كثرة العبادة والاستغفار والتفكر في آلاء الله وصنائعه، فطار صيته بذلك واشتهر بأنه حليف القرآن والعبادة (1).
قال أبو الجارود: قدمت المدينة فجعلت كلما أسأل عن زيد قيل لي: ذاك حليف القرآن، ذاك أسطوانة المسجد، من كثرة صلاته (2).
ويقول أبو حنيفة حينما يسئل عنه: هو حليف القرآن منقطع القرين (3).
وفي كلام الفخري والذهبي والشبلنجي وأحمد بن حميد: أنه من أكابر الصلحاء وأعاظم أهل البيت عبادة وزهدا وورعا ودينا وخضوعا (4).
وكان زيد الشهيد معروفا بفصاحة المنطق، وجزالة القول، والسرعة في الجواب، وحسن المحاضرة، والوضوح في البيان، والإيجاز في تأدية المعاني على أبلغ وجه، وكان كلامه يشبه كلام جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) بلاغة وفصاحة (5).
فلا بدع إذن إن عده الجاحظ من خطباء بني هاشم (6)، ووصفه أبو إسحق السبيعي والأعمش بأنه أفصح أهل بيته لسانا وأكثرهم بيانا (7).
ويشهد له: أن هشام بن عبد الملك لم يزل منذ دخل زيد الكوفة، يبعث الكتاب إثر الكتاب إلى عامله بالعراق، يأمره بإخراج زيد من الكوفة ومنع الناس من حضور مجلسه، لأنه الجذاب للقلوب بعلمه الجم وبيانه السهل، وأن له لسانا أقطع من السيف وأحد من شبا الأسنة، وأبلغ من السحر والكهانة، ومن النفث في العقد (8).
وجوابه لهشام بن عبد الملك يوم قال له: بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة، شاهد عدل على تلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك، فلقد بان عليه في ذلك المجلس المحتشد بوجوه أهل الشام العجز