الكوفة واستجاروا به من جور الأمويين وظلمهم الفاحش، وطلبوا منه المصير إلى بلادهم، وقالوا له: نحن أربعون ألفا نضرب بأسيافنا دونك، وليس من عندنا من أهل الشام إلا عدة وبعض قبائلها يكفيهم بإذن الله تعالى، وأعطوه العهود والمواثيق أن لا يخذلوه.
فقال لهم: إني أخاف أن تفعلوا معي كفعلكم مع أبي وجدي.
فحلفوا له بالأيمان المغلظة على أن يجاهدوا بين يديه.
فلما عزم على موافقتهم عرفه جماعة ممن يمحضه الود والنصيحة غدر أهل الكوفة، وأنهم لا ثبات لهم في قول ولا عمل، لما أجاب أهل الكوفة ورجع إليها عظم ذلك على صحبه وأهل بيته، فبالغوا في تخويفه وعرفوه عواقب هذا الوفاق لما عليه أولئك الخونة من الشقاق والميل إلى الأطماع، وأول من حذره داود بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وكان مع زيد بالثعلبية، قال له: لا يغروك هؤلاء من نفسك، أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك؟ جدك علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى قتل والحسن (عليه السلام) من بعده، بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوه رداءه من عنقه وانتهبوا فسطاطه وجرحوه؟ أوليس قد أخرجوا جدك الحسين (عليه السلام) وحلفوا له بأوكد الأيمان ثم خذلوه وأسلموه ثم لم يرضوا بذلك حتى قتلوه؟ فلا ترجع معهم.
فقال كل من حضر من أهل الكوفة: إن هذا لا يريد أن تظهر أنت، ويزعم أنه وأهل بيته أحق بهذا الأمر منكم.
فقال زيد لداود: إن معاوية كان يقاتل عليا (عليه السلام) بذهابه، وأن الحسين (عليه السلام) قاتله يزيد والأمر عليهم مقبل.
فقال له داود: إني لخائف إن رجعت إليهم أن لا يكون أحد أشد عليك منهم، ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة (1).
دخل زيد الكوفة في شهر شوال سنة 120، وقيل: سنة 119، فأقام بالكوفة خمسة عشر شهرا وفي البصرة شهرين (2) فأخذت الشيعة وغيرهم من المحكمة (3)