عبد الملك، فإنه كان يقيم بالشام الأيام المتطاولة، وفي كل يوم يطلب الإذن من هشام ليرفع إليه القصص، وفيها الشكايات من سوء معاملة عماله معه، فلم يأذن له، في حين أنه يشاهد الإذن للأذناب ومن لاحظ له في العلم والعرفان، وإذا أذن له أمر أهل المجلس بالتضايق وعدم التوسع له، لئلا يظهر للناس كلامه وحسن بيانه، ولكن لم يمنعه ذلك من الجواب وأداء المقصود والرد عليه، فكان يسمع هشاما من الكلام ما هو أحد من السيف وأنفذ من السهم (1).
قال هشام لزيد في جملة تلك الأيام - وقد احتشد المجلس بأهل الشام -: ما يصنع أخوك البقرة.
فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه وقال: سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الباقر وأنت تسميه البقرة لشد ما اختلفتما، لتخالفه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة وترد النار.
فانقطع هشام عن الجواب وبان عليه العجز ولم يستطع دون أن صاح بغلمانه:
أخرجوا هذا الأحمق المائق، فأخذه الغلمان بيده فأقاموه (2).
وفي حديث عبد الأعلى الشامي: أن زيدا بن علي لما قدم الشام ثقل ذلك على هشام، لما كان فيه من حسن الخلق وحلاوة اللسان، فشكا ذلك إلى مولى له.
فقال: ائذن للناس إذنا عاما وأحجب زيدا، ثم ائذن له في آخر الناس، فإذا دخل عليك وسلم فلا ترد عليه، ولا تأمره بالجلوس، فإذا رأى أهل الشام هذا سقط من أعينهم.
ففعل بكل ما أشار عليه، أذن للناس وحجبه ثم أذن له في آخر الناس، ولما دخل عليه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فلم يرد عليه.
فقال: السلام عليك يا أحول، فإنك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم.
فقال له هشام: بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة.
فقال له زيد: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل