وكذلك إن حكاه في كتاب أو في مجلس على طريق الرد له والنقص على قائله، والفتيا بما يلزمه، وهذا منه ما يجب، ومنه ما يستحب، بحسب حالات الحاكي لذلك، والمحكي عنه، فإن كان القائل لذلك ممن تصدى لأن يؤخذ عنه العلم، أو رواية الحديث، أو يقطع بحكمه، أو شهادته، أو فتياه في الحقوق وجب على سامعه الإشادة بما سمع منه، والتنفير للناس عنه والشهادة عليه بما قاله، ووجب على من بلغه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره وبيان كفره، وفساد قوله، لقطع ضرره عن المسلمين، وقياما بحق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكذلك إن كان ممن يعظ العامة، أو يؤدب الصبيان، فإن من هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم، فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحق النبي صلى الله عليه وسلم ولحق شريعته.
وإن لم يكن القائل بهذا السبيل فالقيام بحق النبي صلى الله عليه وسلم واجب، وحماية عرضه متعين، ونصرته على الأذى حيا وميتا، مستحق على كل مؤمن، و لكنه إذا قام بهذا من ظهر به الحق وفصلت به القضية، وبان به الأمر، سقط عن الباقي الفرض، وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة والتحذير منه، وقد أجمع السلف على بيان حال المتهم في الحديث، فكيف، بمثل هذا؟
وقد سئل أبو محمد بن أبي زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا في حق الله تعالى أيسعه أن يؤدي شهادته؟ قال: إن رجا نفاذ الحكم بشهادته فليشهد، وكذلك إن علم أن الحاكم لا يرى القتل بما يشهد به ويرى الاستتابة والأدب فليشهد، ويلزمه ذلك، وأما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين، فلا أرى لها مدخلا في هذل الباب، فليس التفكه بعرض النبي صلى الله عليه وسلم والتمضمض بسوء ذكره لأحد لا ذاكرا ولا آثرا لغير غرض شرعي بمباح، وأما للأغراض المتقدمة فمتردد بين الإيجاب والاستحباب، وقد حكى الله تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه على وجه الإنكار لقولهم، والتحذير من كفرهم، والوعيد عليه، والرد عليهم بما تلاه الله علينا في محكم كتابه، وكذلك وقع من أمثاله في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة على الوجوه المتقدمة، وأجمع السلف والخلف من أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة والملحدين