أما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الحطم بن هند البكري فكان كما أخبر فذكر أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) بسند إلى عبد الله ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: كان شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو مرثد سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس يغزو ببكر بن وائل في الجاهلية وابن أبي رميض العتري ارتجز به في مسيره:
قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم فسماه الناس الحطم وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال يا محمد! إني سيد قومي، وداعية قومي، وإني إن أسلمت دعوت إليك الناس وإن تركت دينك صرفت عنك من بعدي، فما دينك يا محمد؟ قال: ديني الإسلام، قال: وما الإسلام؟ فذكر له، وقال:
لا تشرب الخمر، فقال يا محمد! ولا نشرب الخمر؟! قال:، نعم، قال: إن في دينك لغلظ وشدة، أذهب فأعرضه على قومي، فإن قبلوا قبلت معهم وأن أدبروا كنت معهم، قال: اذهب فاعرض عليهم ما بدا لك، فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد دخل علي بوجه كافر وخرج من عندي بعقبي غادر، ولن يسلم أبدا فخرج حتى أتى سرح المسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل من سفر سرح الناس ظهرهم، إن عدو الله أطرد سرح المسلمين هو وأصحابه، وطلبه المسلمون فسبقهم إلى اليمامة، وأهل اليمامة مشركون فلما دخلت شهور الحرم علم أن الناس قد وضعوا السلاح، فباع تلك الإبل واشترى تجارة، فعهد بها إلى مكة يريد الحج والتجارة، وأهل مكة مشركون، فبلغ ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن الحطم عدد وختر وباع إبلنا، واشترى تجارات بأثمانها، وتوجه إلى مكة، أفلا نعرض له فنضرب عنقه وننزع ما في يده؟ فقال: بلى، فجمع رجالا ودعا رجلا يستعمله عليهم، إذ نزل عليه الوحي: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا﴾ (1) فكف النبي صلى الله عليه وسلم عنه فلم يعرض له.