السالفة، وكذا وقع ذكره في كتاب أرمياء، وبهذا وصفه ابن ذي يزن لعبد المطلب، وبحيرا لأبي طالب.
وكذلك إذا وصف بأنه أمي كما وصفه الله تعالى به، فهي مدحة له، وفضيلة ثابتة فيه، وقاعدة معجزته، إذ معجزته العظمى من القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم، مع ما منح صلى الله عليه وسلم وفضل به من ذلك، ووجود مثل ذلك من رجل لم يقرأ، ولم يكتب ولم يدارس، ولا لقن، ومقتضى العجب! ومنتهى العبر، ومعجزة البشر، وليس في ذلك نقيصة إذ المطلوب من الكتابة والقراءة والمعرفة إنما هي آله لها واسطة موصلة إليها غير مرادة في نفسها فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغنى عن الواسطة والسبب.
والأمية في غيره نقيصة، لأنها سبب الجهالة وعنوان الغباوة فسبحان من باين أمره من أمر غيره وجعل شرفه فيما فيه محطة سواه، وحياته فيما فيه هلاك من عداه، ففي شق قلبه وإخراج حشوته، كان تمام حياته، وغاية قوة نفسه، وثبات روعه، وهو فيمن سواه منتهى هلاكه وحتم موته وفنائه، وهلم جرا، إلى سائر ما روي من أخباره وسيره وتقلله من الدنيا من الملبس، والمطعم والمركب، وتواضعه، ومهنته نفسه في أموره، وخدمة بيته، زهدا ورغبة عن الدنيا، وتسوية بين حقيرها وخطيرها، لسرعة فناء أمورها، وتقلب أحوالها كل هذا من فضائله، ومآثره، وشرفه فمن أورد شيئا منها مورده، وقصده بها مقصده.
ورحم الله مالكا، فلقد كره التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة للتشبيه، والمشكلة المعنى، وقال: ما يدعو الناس إلى التحدث بمثل هذا؟ فقيل له: إن ابن عجلان يحدث بها، فقال: لم يكن من الفقهاء، ليت الناس وافقوه على ترك الحديث بها، وساعدوه على طيها، فأكثرها ليس تحته عمل، وقد حكى عن جماعة من السلف بل عنهم على الجملة أنهم كانوا يكرهون الكلام فيما ليس تحته عمل، والنبي صلى الله عليه وسلم أوردها قوما عربا يفهمون كلام العرب على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته، ومجازه، واستعارته، وبليغه وإيجازه، فأم تكن في حقهم مشكلة، ثم جاء من غلبت عليه العجمة وداخلته الأمية، فلا يكاد يفهم