قوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم فاعترافه بها، وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال تعالى في مثله: ﴿يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم﴾ (1) قال أهل التفسير: هي قوله: إن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير. وقيل بل قول بعضهم: ما مثلنا أو مثل محمد إلا قول قائل: سمن كلبك يأكلك (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) (2) وقد قيل: إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به فإن حكمه حكم الزنديق يقتل، ولأنه غير دينه، وقال صلى الله عليه وسلم من غير دينه فاضربوا عنقه، ولأن حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الحرمة مزية على أمته، وساب الحر من أمته بحد، فكانت العقوبة لمن سبه صلى الله عليه وسلم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره.
فإن قلت: فلم لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي الذي قال له: السام عليكم؟
وهذا دعاء عليه، ولا قتل الآخر الذي الذي قال له: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، وقد تأذى النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك؟ وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، ولا قتل المنافقين الذين كانوا يؤذونه في أكثر الأحيان؟
فاعلم وفقنا الله وإياك إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول الإسلام يستألف عليه الناس، ويستميل قلوبهم إليه ويحبب إليهم الإيمان، ويزينه في قلوبهم، ويداريهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين، ويقول: يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وكان صلى الله عليه وسلم يداري الكفار والمنافقين، ويجمل صحبتهم، ويفضي عنهم ويحتمل من أذاهم، ويصبر على جفائهم، ما لا يجوز لنا اليوم الصبر لهم عليه وكان يرفقهم بالعطاء والاحسان، وبذلك أمره الله تعالى، فقال: (ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) (3) قال تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه