التحقير والتهوين، فهو أشد عقوبة، وليس فيه تصريح بالسب للملك، وإنما السب واقع على المخاطب، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء.
قال وأما ذكر مالك وخازن النار فقد جفا الذي ذكره عندما أنكر حاله من عبوس الآخر، وإلا أن يكون المعبس له يد فمرهب الملك بعبسته، فيشبه القائل على طريق الذم لهذا في فعله ولزومه في ظلمه صفة المالك الملك لربه في فعله، فيقول: كأنه لله يغضب مالك فيكون أخف، وما كان ينبغي له التعرض لمثل هذا، ولو كان أثنى على العبوس بعبسته، واحتج بصفة مالك كان أشد، ويعاقب المعاقبة الشديدة، وليس في هذا ذم للملك على قصد ذمة يقتل.
وقال أبو الحسن أيضا في شاب معروف بالخير، قال لرجل شيئا، فقال له:
اسكت فإنك أمي، فقال الشاب: أليس كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا؟ فشنع عليه مقاله، وكفره الناس، وأشفق الشاب مما قال، وأظهر الندم عليه، فقال أبو الحسن: أما إطلاق الكفر عليه فخطأ، لكنه مخطئ في استشهاده فصفة النبي صلى الله عليه وسلم أميا آية له، وكون هذا أميا نقيصة فيه، وجهالة، ومن جهالته احتجاجه بصفة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه إذا استغفر وتاب واعترف ولجأ إلى الله فيترك، لأن قوله لا ينتهي إلى حد القتل وما طريقه الأدب، فطوع فاعلة بالندم عليه يوجب الكف عنه.
ونزلت أيضا مسألة استفتى فيها بعض قضاه الأندلس شيخنا القاضي أبا محمد بن منصور - رحمه الله - في رجل تنقصه آخر بشئ فقال له: إنما تريد نقضي بقولك وأنا بشر، وجميع البشر يلحقهم النقص، حتى النبي صلى الله عليه وسلم!
فأفتاه بإطالة سجنه وإيجاع أدبه، إذ لم يقصد السب، وكان بعض فقهاء الأندلس أفتى بقتله.
الوجه السادس: أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غيره، وآثرا له عن سواه، فهذا ينظر في صورة حكايته، وقرينة مقالته، ويختلف الحكم باختلاف ذلك على أربعة وجوه: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، فإن كان أخبر به على وجه الشهادة، والتعريف بقائله، والإنكار والإعلام بقوله، والتنفير منه، والتجريح له: فهذا مما ينبغي امتثاله ويحمد فاعله.