وأما إجابة الله تعالى دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم في مجئ ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد ابن ثعلبة بن يربوع بن الدؤل بن حنيفة الحنفي (1)
(1) أبو أمامة اليمامي، حديثه في البخاري من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل بني حنيفة: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
وأخرجه أيضا مطولا، ورواه ابن إسحاق في المغازي، عن سعيد المقبري مطولا، وأوله:
ثمامة كان عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد قتله، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يمكنه منه، فلما أسلم قدم مكة معتمرا، فقال: والذي نفسي بيده، لا تأتيكم حبة من اليمامة - وكانت ريف أهل مكة - حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر أيضا أن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة، وارتحل هو من أطاعه من قومه، فلحقوا بالعلاء الحضرمي، فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين، فلما ظفروا اشترى ثمامة حلة كانت لكبيرهم فرآها عليه ناس من بني قيس بن ثعلبة، فظنوا أنه هو الذي قتله وسلبه فقتلوه.
وروى ابن منك من طريق علباء بن أحمد عن عكرمة، عن ابن عباس قصة إسلام ثمامة ورجوعه إلى اليمامة ومنعه عن قريش المبرة، ونزول قوله تعالى: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) (المؤمنون: 76) وإسناده حسن.
وله مقام في الردة، وفيه الإنكار على بني حنيفة أبيات، منها:
أهم بترك القول ثم يردني * إلى القول إنعام النبي محمد شكرت له فكي من الغل بعدما * رأيت خيالا من حسام مهند وكان ثمامة حين أسلم قال: يا رسول الله، والله لقد قدمت عليك وما على وجه الأرض وجه أبغض إلى من وجهك، ولا دين أبغض إلى دينك، ولا بلد أبغض إلى من بلدك، وما أصبح على وجه الأرض وجه أحب إلى من وجهك، ولا دين أحب من دينك، ولا بلد أحب إلى من بلدك.
وقال محمد بن إسحاق: ارتد أهل اليمامة عن الإسلام غير ثمامة بن أثال ومن اتبعه من قومه، فكان مقيما باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه، ويقول: إياكم وأمرا مظلما لا نور فقيه، وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم، وبلاء من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة.
فلما عصوه ورأى أنهم قد اتفقوا على اتباع مسيلمة، عزم على مفارقتهم، ومر العلاء بن الحضرمي ومن تبعه على جانب اليمامة، فلما بلغه ذلك قال لأصحابه من المسلمين: إني والله ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا، وإن الله تعالى لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون، وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون، وقد عرفنا الذي يريدون، وقد مروا بنا قريب، ولا أرى إلا الخروج إليهم، فمن أراد الخروج منكم فليخرج ممدا للعلاء بن الحضرمي، ومعه أصحابه من المسلمين، فكأن ذلك قد فت في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد دعانا إلى ترك الديانة والهدى * مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع فيا عجبا من معشر قد تتابعوا * له في سبيل الغي والغي أشنع في أبيات كثيرة ذكرها ابن إسحاق في الردة، وفي آخرها:
وفي البعد دار قد أضل أهلها * هدى واجتماع كل ذلك مهيع (سيرة ابن هشام): 6 / 51 - 52، (الإستيعاب): 1 / 213 - 216، ترجمة رقم (277)، (الإصابة): 1 / 410 - 412، ترجمة رقم (962)، (جمهرة أنساب العرب): 312، (الفتوح) لابن أعثم: 1 / 29 وما بعدها.