وأما إخباره لأبي ذر (الغفاري) بأنهم يخرجون من المدينة فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فخرج الإمام أحمد (1) من حديث هاشم، عن عبد الحميد، عن شهر حدثني أسماء (بنت يزيد) أن أبا ذر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد فكان هو بيته يضطجع فيه، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فوجده منجدلا في المسجد فنكته برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أراك نائما في المسجد؟ قال أبو ذر: يا رسول الله وأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: كيف أنت إذا أخرجوك منه قال: إذا ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلا من أهلها، فقال: كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ قال: إذا أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي، قال: فكيف بك إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني - (حتى أموت قال:) فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثبته بيده، فقال: أدلك على خير من ذلك؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك.
قال جامعه: قد صدق الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به أبا ذر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - من إخراجهم له من الشام والمدينة، وذلك أنه أخرج من المدينة أولا في خلافة عثمان - رضي الله تبارك وتعالى عنه - إلى الشام لإنكاره أشياء من سيرته، فأقام بها، فأنكر على معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ أمير الشام، فشكاه إلى عثمان، فأمره بحمله إليه، فحمله إلى المدينة: فأخذ يطعن على عثمان، فأخرجه من المدينة، وأسكنه