الوجه الثاني: لاحق به في البيان والجلاء، وهو أن يكون القائل، لما قال في جهته صلى الله عليه وسلم غير قاصد للسب والإزراء، ولا معتقد له، ولكنه تكلم في جهته صلى الله عليه وسلم بكلمة الكفر من لعنه، أو سبه، أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه، أو نفي ما يجب له مما هو في حقه صلى الله عليه وسلم نقيصة، مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة أو مداهنة في تبليغ الرسالة، أو في حكم بين الناس، أو بعض من مرتبته، أو شرف نسبه، وفور علمه، أو يكذب بما استمر من أمور أخبر بها صلى الله عليه وسلم وتواتر الخبر بها عنه قصد لرد خبره أو يأتي نسقه من القول، وقبيح من الكلام ونوع من السب في جهته، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ولم يقصد سبه أو لجهالة جملته على ما قاله لضجر أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة، وضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول: القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشئ مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما ﴿إلا من أكراه وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ (1) وبهذا أفتى الأندلسيون على ابن حاتم في نفيه الزهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قدمناه.
وأفتى أبو الحسن القابسي في من شتم النبي صلى الله عليه وسلم في سكره: يقتل لأنه يظن به أنه يعتقد هذا ويفعله في صحوه، وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر كالقذف، والقتل وسائر الحدود لأنه أدخله على نفسه، لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها وإتيان ما ينكر فهو كالعامد لما يكون بسبه، وعلى هذا ألزمناه الطلاق، والعتاق، والقصاص، والحدود، لا يعترض على هذا بحديث حمزة - رضي الله تبارك وتعالى عنه - وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أنتم إلا عبيد لأبي قال فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فانصرف، لأن الخمر كانت حينئذ غير محرمة، فلم يكن في جناياتها إثم، وكان حكم ما يحدث عنها معفوا عنه، كما يحدث من النوم، وشرب الدواء المأمون الوجه الثالث: أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله، وأتى به، أو ينفي نبوته أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر به، انتقل بقوله ذلك إلى دين آخر غير ملته أم لا، فهذا كافر بإجماع يجب قتله، ثم ينظر، فإن كان مصرحا بذلك كان