والناس قريب عهدهم بالإسلام لم يتميز بعد الخبيث من الطيب، وقد شاع عن المذكورين في العرب كون من يتهم بالنفاق من جملة المؤمنين، وصحابة سيد المرسلين، وأنصار الذين يحكم بظاهرهم، فلو قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم لنفاقهم وما يبدر منهم، وعلمه بما أسروا في أنفسهم، لما وجد المعاند ما يقول، ولا ارتاب الشارد، وأرجف المعاند، وارتاع من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والدخول في الإسلام غير واحد ولزعم الزاعم وظن العدو الظالم أن القتل إنما كان للعداوة وطلب أخذ الترة، وقد رأيت معنا ما حررته منسوبا إلى مالك بن أنس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه، وقال: أولئك الذين نهاني الله تعالى عن قتلهم، وهذا بخلاف إجراء الأحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا، والقتل، وشبهه، لظهورها، واستواء الناس في علمها.
وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: وقال قتادة في تفسير فوله تعالى:
﴿ولئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا﴾ (1) قال: معناه إذا أظهروا النفاق.
وحكى محمد بن مسلمة في (المبسوط) عن زيد بن أسلم قال: إن قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) (2) نسخها ما كان قبلها، وقال بعض مشايخنا: علل القائل: هذه قسمة ما أريد وجه الله، وقوله:
اعدل، ولم يفهم النبي صلى الله عليه وسلم منه الطعن عليه، والتهمة له، وإنما رآها من وجه الغلط في الرأي، وأمور الدنيا، والاجتهاد، وفي مصالح أهلها، فلم ير ذلك سبا، ورأى أنه من الأذى الذي كان له العفو عنه، والصبر عليه، فلذلك لم يعاقبه.
. وكذلك يقال في اليهود إذا قالوا: السام عليكم، ليس في صريح سب ولا دعاء إلا بما لا بد منه من الموت الذي لا بد من لحاقه جميع البشر. وقيل: بل المراد، تسأمون، دينكم والسآمة الملال، وهذا دعاء على سآمة الدين، وليس