عداوة كأنه ولي حميم) (1) وذلك لحاجة الناس للتألف أول الإسلام، وجمع الكلمة عليه، فلما استقر، وأظهره الله تعالى على الدين كله قتل من قدر عليه واشتهر أمره كفعله بابن خطل، ومن عهد بقتله يوم الفتح، ومن أمكنه قتله غلبه من يهود وغيرهم، أو غلبه ممن لم ينتظمه قبل سلك صحبته، والإنخراط في جملة مظهر الإيمان به، ممن كان يؤذيه، كابن الأشرف وأبي رافع والنضر، وعقبة، وكذلك ندر جماعة سواهم، ككعب بن زهير، وابن الزبعرى، وغيرهما ممن أذاه حتى ألقوه بأيديهم ولقوه مسلمين، وبواطن المنافقين مستترة، وحكمه صلى الله عليه وسلم على الظاهر، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل منهم خفية، ومع أمثاله، ويحلفون عليها إذا نميت وينكرونها (ويحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) (2) وكان مع هذا يطمع في فيئتهم ورجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم فيصبر صلى الله عليه وسلم على هناتهم وجفوتهم كما صبر أولو العزم من الرسل، وفاء كثير منهم باطنا وظاهرا وأخلص سرا كما أظهر جهرا ونفع الله بعد بهم وقام منهم للدين، وزراء، وأعوان، وحماة، وأنصار، كما جاءت به الأخبار.
وبهذا أجاب بعض أئمتنا عن هذا السؤال، وقال: لعله لم يثبت عنده صلى الله عليه وسلم من أقوالهم ما رفع، وإنما نقله الواحد، ومن لم يصل رتبة الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة، والدماء لا تستباح إلا بعدلين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في السلام، وأنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها -؟ ولو كان صرح بذلك لم ينفرد بعلمه، ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على فعلهم، وقلة صدقهم في سلامهم، وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم، وطعنا في الدين، فقال:
إن اليهود إذا سلم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليكم وكذلك قال بعض أصحابنا البغداديين: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين بعلمه فيهم ولم يأت أنه قامت بينة على نفاقهم فلذلك تركهم، وأيضا فإن الأمر كان سرا وباطنا، وظاهرهم الإسلام والإيمان، وإن كان من أهل الذمة بالعهد والجوار