يطلب الأمان فأجابه الموفق إليه فخرج وجميع من معه حتى وافى بعسكره الموفق فأحسن إليهم وأمنهم.
فلما اطمأن درمويه أظهر ما كان في يده من الأموال والأمتعة وردها إلى أربابها ردا ظاهرا فعلم بذلك حسن نيته فازداد إحسان الموفق إليه وأمر أن يكتب إلى أمصار المسلمين بالنداء في أهل النواحي التي دخلها الزنج بالرجوع إلى أوطانهم فسار الناس إلى ذلك؛ وأقام الموفق بالمدينة الموفقية ليأمن الناس بمقامه وولى البصرة والأبلة وكور دجلة رجلا من قواده قد حمد مذهبه وعلم حسن سيرته يقال له العباس بن تركس وأمره بالمقام بالبصرة وولي قضاء البصرة والأبلة وكور دجلة محمد بن حماد.
وقدم ابنه العباس إلى بغداد ومعه رأس الخبيث ليراه الناس فبلغها لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة.
وكان خروج صاحب الزنج يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين، وكانت أيامه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وقيل في أمر الموفق وأصحاب الزنج أشعار كثيرة، فمن ذلك قول يحيى بن محمد الأسلمي:
(أقول وقد جاء البشير بوقعة * أعزت من الإسلام ما كان واهيا) (جزى الله خير الناس للناس بعدما * أبيح حماهم خير ما كان جازيا)