فلما سمع الإسكندر ذلك غضب غضبا شديدا، وهم به، ثم أمر بحبسه ليجعله عظة لأهل مملكته. ثم إن الإسكندر راجع نفسه، وتدبر كلامه لما أراد الله به من الخير، فوقع منه في نفسه ما غير قلبه، فبعث إليه على خلاء، فأصغى إليه، واستمع لموعظته وأمثاله وعبره، وعلم أن ما قال هو الحق، وأن ما خلا الله من معبود باطل، فارعوى واستجاب للحق، وصح يقينه، فقال لذلك العابد: فإني أسألك أن تلزمني، لأقتبس من علمك، وأستضئ بنور معرفتك. فقال له:
إن كنت تريد ذلك فاحسم اتباعك من الغشم والظلم وارتكاب المحارم.
فتقدم الإسكندر بذلك، وأوعد فيه، وجمع أهل مملكته ورؤساء جنوده، فقال لهم: اعلموا أنا إنما كنا نعبد إلى هذا اليوم أصناما، لم تكن تنفعنا ولا تضرنا. وإني آمركم، فلا تردوا على أمري، وأرضى لكم ما أرضاه لنفسي، من عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما كنا نعبده من دونه، فقالوا بأجمعهم: قد قبلنا قولك، وعلمنا أن ما قلت الحق، وآمنا بإلهك وإلهنا.
فلما صحت له نيات خاصته، واستقامت له طريقتهم، وطابقوه على الحق أمر أن يعلن للعامة، أنا قد أمرنا بالأصنام التي كنتم تعبدونها أن تكسر، فإن ظننتم أنها تنفعكم أو تضركم فلتدفع عن أنفسها ما يحل بها، واعلموا أنه ليس لأحد عندي هوادة في مخالفة أمري، وعبادة غير إلهي، وهو الإله الذي خلقنا جميعا. ثم أمر بتفريق الكتب بذلك في شرق الأرض، وغربها، ليعامل الناس على قدر القبول والآباء، فمضت رسله بكتبه بذلك إلى ملوك الأرض.
فلما انتهى كتابه إلى دارا بن دارا غضب من ذلك غضبا شديدا، وكتب إليه:
(من دارا بن دارا المضئ لأهل مملكته كالشمس إلى الإسكندر بن الفيلفوس، أنه قد كان بيننا وبين الفيلفوس عهد ومهادنة على ضريبة، لم يزل يؤديها إلينا أيام حياته، فإذا أتاك كتابي هذا فلا أعلمن ما بطأت بها، فأذيقك وبال أمرك، ثم لا أقبل عذرك، والسلام).