محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من العلل، عن الرضا عليه السلام أنه قال:
أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا وليكون محفوظا مدروسا، فلا يضمحل ولا يجهل، وإنما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامح الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد، وذلك أن قوله عز وجل: (الحمد لله) إنما هو أداء لما أوجب الله عز وجل على خلقه من الشكر، وشكر لما وفق عبده من الخير (رب العالمين) توحيد له وتحميد له وإقرار بإنه الخالق المالك لا غيره، (الرحمن الرحيم) استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه (مالك يوم الدين) إقرار له بالبعث والحساب والمجازاة وإيجاب ملك الآخرة له كإيجاب ملك الدنيا (إياك نعبد) رغبة وتقرب إلى الله تعالى ذكره وإخلاص له بالعمل دون غيره (وإياك نستعين) استزادة من توفيقه وعبادته، واستدامة لما أنعم عليه ونصره (إهدنا الصراط المستقيم) استرشاد لدينه واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة لربه عز وجل (صراط الذين أنعمت عليهم) توكيد في السؤال والرغبة وذكر لما تقدم من نعمه على أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم (غير المغضوب عليهم) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره ونهيه (ولا الضالين) اعتصام من أن يكون من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة من الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شئ من الأشياء (1).
وبالاسناد في ذكر العلة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض أن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أن هناك جماعة فإذا أراد أن يصلي صلى لأنه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيها إنما هما بالنهار في أوقات مضيئة فهي [تعلم] من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع (3).