وأما من جهة المعقول فهو أنه لو امتنع تأخير البيان، لم يخل إما أن يكون ذلك ممتنعا لذاته أو لأمر من خارج.
لا جائز أن يكون لذاته، فإنا لو فرضناه واقعا، لا يلزم عنه المحال لذاته وإن كان لأمر خارج، فلا يخفى أنه لا فارق بين حالة وجود البيان وعدمه سوى علم المكلف بالمراد من الكلام، حالة وجود البيان، وجهله به حالة عدمه.
فلو امتنع تأخير البيان، لكان لما قارنه من جهل المكلف بالمراد، ولو كان كذلك لامتنع تأخير بيان النسخ، لما فيه من الجهل بمراد الكلام الدال بوضعه على تكرر الفعل على الدوام، واللازم ممتنع فالملزوم ممتنع.
وهذه الطريقة لازمة على كل من منع من تأخير بيان المجمل والعام والمقيد وكل ما أريد به غير ما هو ظاهر فيه. وجوزه في النسخ، كالجبائي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبار وغيرهم.
اعترض القاضي عبد الجبار، وقال الفرق بين تأخير بيان النسخ وتأخير بيان المجمل هو أن تأخير بيان النسخ مما لا يخل بالتمكن من الفعل في وقته، بخلاف بيان صفة العبادة، فإنه لا يتأتى معه فعل العبادة في وقتها للجهل بصفتها والفرق بين تأخير بيان تخصيص العموم وتأخير بيان النسخ من وجهين.
الأول: أن الخطاب المطلق الذي أريد نسخه معلوم أن حكمه، مرتفع لعلمنا بانقطاع التكليف، ولا كذلك المخصوص.
الثاني: أن تأخير بيان تخصيص العموم، مع تجويز إخراج بعض الأشخاص منه من غير تعيين، مما يوجب الشك في كل واحد من أشخاص المكلفين، هل هو مراد بالخطاب أم لا. ولا كذلك في تأخير بيان النسخ.
وجواب الفرق بين الاجمال والنسخ أن وقت العبادة إنما هو وقت دعو الحاجة إليها، لا قبل ذلك، ووقت الحاجة إليها فالبيان لا يكون متأخرا عنه، فلا يلزم من تأخير بيان صفة العبادة عنها في غير وقتها، ووجوده في وقتها تعذر الاتيان بالعبادة في وقتها.
وجواب الفرق الأول: بين العموم والنسخ هو أن حكم الخطاب المطلق، وإن علم ارتفاعه بانقطاع التكليف، فذلك مما يعم التخصيص والنسخ، لعلمنا بانقطاع