الثاني: أنهم قالوا: يحتمل أن النكاح في الصورتين كان واقعا في ابتداء الاسلام قبل حصر عدد النساء في أربع وتحريم نكاح الأختين، فكان ذلك واقعا على وجه الصحة، والباطل من أنكحة الكفار ليس إلا ما كان مخالفا لما ورد به الشرع حال وقوعها.
الثالث: أنهم قالوا: يحتمل أنه أمر الزوج باختيار أوائل النساء وهذه التأويلات، وإن كانت منقدحة عقلا، غير أن ما اقترن بلفظ الامساك من القرائن دارئة لها. أما التأويل الأول فمن وجوه:
الأول: أن المتبادر إلى الفهم من لفظ (الامساك) إنما هو الاستدامة دون التجديد.
الثاني أنه فوض الامساك والفراق إلى خيرة الزوج، وهما غير واقعين بخيرته عندهم، لوقوع الفراق بنفس الاسلام وتوقف النكاح على رضا الزوجة.
الثالث: أنه لم يذكر شروط النكاح مع دعو الحاجة إلى معرفة ذلك لقرب عهدهم بالاسلام.
الرابع: أنه أمر الزوج بإمساك أربع من العشر، وواحدة من الأختين، وبمفارقة الباقي، والامر إما للوجوب، أو الندب ظاهرا على ما تقدم، وحصر التزويج في العشرة وفي الأختين ليس واجبا ولا مندوبا، والمفارقة ليست من فعل الزوج، حتى يكون الامر متعلقا بها.
الخامس: هو أن الظاهر من الزوج المأمور إنما هو امتثال أمر النبي (ص)، بالامساك، ولم ينقل أحد من الرواة تجديد النكاح في الصور المذكورة.
السادس: هو أن الزوج إنما سأل عن الامساك بمنى الاستدامة، لا بمعنى تجديد النكاح وعن الفراق بمعنى انقطاع النكاح. والأصل في جواب الرسول (ص) أن يكون مطابقا للسؤال.
وأما التأويل الثاني فبعيد أيضا، لأنه لو لم يكن الحصر ثابتا في ابتداء الاسلام لما خلا ابتداء الاسلام عن الزيادة على الأربع عادة، وعن الجمع بين الأختين، ولم ينقل عن أحد من الصحابة ذلك في ابتداء الاسلام، ولو وقع، لنقل.
وقوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) * (4) النساء: 23) قال أهل التفسير: المراد به ما سلف في الجاهلية قبل بعثة النبي (ص). ولهذا قال: * (إنه كان فاحشة ومقتا، وساء سبيلا) * (4) النساء: 22).