الثاني أن (ما) لو كانت مختصة بمن لا يعلم، لما احتيج إلى قوله من دون الله وحيث كانت بعمومها متناولة لله تعالى احتاج إلى التقييد بقوله: من دون الله.
قلنا: أما ما ذكروه من النصوص والاطلاقات فغايتها جواز إطلاق (ما) على من يعقل ويعلم، ولا يلزم من ذلك أن تكون ظاهرة فيه، بل هي ظاهرة فيمن لا يعقل.
ودليل ذلك قول النبي (ص)، لابن الزبعرى لما ذكر ما ذكر (1) رادا عليه بقوله: ما أجهلك بلغة قومك، أما علمت أن (ما) لما لا يعقل و (من) لمن يعقل. ولا يخفى أن الجمع بين الامرين والتوفيق بين الأدلة أولى من تعطيل قول النبي (ص) والعمل بما ذكروه.
وإذا كانت * (ما) * ظاهرة في من لا يعقل دون من يعقل، وجب تنزيلها على ما هي ظاهرة فيه.
وما ذكروه من الوجه الأول في المعنى فهو باطل بما ذكرناه من إنكار النبي (ص) ولا يخفى أن اتباع قول النبي أولى من اتباع ما ظنه ابن الزبعرى.
وما ذكروه في الوجه الثاني من عدم الاحتياج إلى قوله * (من دون الله) * (2) البقرة: 23) إنما يصح أن لو لم يكن فيه فائدة، وفائدته التأكيد، وحمل الكلام على فائدة التأسيس، وإن كان هو الأصل، غير أنه يلزم من حمله على فائدة التأسيس مخالفة ظاهر قول النبي (ص) والجمع أولى من التعطيل. وإن سلمنا أن * (ما) * حقيقة في من يعقل، غير أنا لا نسلم أن بيان التخصيص لم يكن مقارنا للآية.
وبيان المقارنة أن دليل العقل صالح للتخصيص على ما سبق. والعقل قد دل على امتناع تعذيب أحد بجرم صادر من غيره، اللهم إلا أن يكون راضيا بجرم ذلك الغير، واحد من العقلاء لم يخطر بباله رضا الملائكة والمسيح بعبادة من عبد هم و * (ما) * مثل هذا الدليل العقلي، فلا نسلم عدم مقارنته للآية.
وأما نزول قوله تعالى: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى) * (21) الأنبياء: 101) الآية، فإنما ورد تأكيدا بضم الدليل الشرعي، إلى الدليل العقلي، مع الاستغناء عن أصله، أما أن يكون هو المستقل بالبيان، فلا.
الحجة السادسة: قول الملائكة لإبراهيم * (إنا مهلكو أهل هذه القرية، إن أهلها كانوا ظالمين) * (29) العنكبوت: 31) ولم يبينوا إخراج لوط ومن معه من المؤمنين عن الهلاك بقولهم * (نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله) * (29) العنكبوت: 32) إلا بعد سؤال إبراهيم وقوله: * (إن فيها لوطا) * (29) العنكبوت: 32)