(1) وإذا عرف تفصيل المذاهب فقد احتج أصحابنا القائلون بجواز التأخير مطلقا بحجج نقلية، وعقلية.
إما النقلية: فالحجة الأولى منها قوله تعالى: * (إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه) * (75) القيامة: 17 - 19) ووجه الاحتجاج به أنه قال * (فإذا قرأناه) * معناه أنزلناه، ويدل على ذلك قوله تعالى: * (فاتبع قرآنه) * أمر النبي (ص)، بالاتباع بفاء التعقيب، لقوله: * (فإذا قرأناه) * ولا يتصور ذلك قبل الانزال لعدم معرفته به وإنما يكون بعد الانزال. وإذا كان المراد بقوله * (قرأناه) * الانزال، فقوله: * (ثم إن علينا بيانه) * يدل على تأخير البيان عن وقت الانزال، لان * (ثم) * للمهلة والتراخي على ما سبق تقريره (2).
ولقائل أن يقول: وإن كان المراد من قوله تعالى: * (فإذا قرأناه) * الانزال، ولكن لا نسلم أن المراد من قوله * (ثم إن علينا بيانه) * بيان مجمله وخصوصه وتقييده ومنسوخه، بل المراد منه إظهاره وإشهاره، وهو على وفق الظاهر، لان البيان هو الاظهار في اللغة، ومنه يقال: بان لنا الكوكب الفلاني، وبان لنا سور المدينة إذا ظهر، ويقال: بين فلان الامر الفلاني إذا أظهره وعند ذلك، فليس حمله على ما ذكر من بيان المراد من المجمل والعام والمطلق أولى مما ذكرناه (3). كيف وإن الترجيح لهذا المعنى من جهة أن المراد من قوله تعالى: * (إن علينا جمعه وقرآنه) * (75) القيامة: 17) إنما هو جميع القرآن فإنه ليس اختصاص بعضه بذلك أولى من بعض