ولقائل أن يقول: ظاهر ذلك للمنع من تعجيل نفس القرآن، لا بيان ما هو المراد منه، لما فيه من الاضمار المخالف للأصل، وإنما منعه من تعجيل القرآن أي من تعجيل أدائه عقيب سماعه، حتى لا يختلط عليه السماع بالأداء، وإلا فلو أراد به البيان، لما منعه عنه بالنهي للاتفاق على أن تعجيل البيان بعد الأداء غير منهي عنه.
الحجة الرابعة: أنه تعالى أمر بني إسرائيل بذبح بقرة معينة غير منكرة بقوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * (2) البقرة: 67) ولم يعينها إلا بعد سؤالهم. ودليل كون المأمور به معينا أمران: الأول أنهم سألوا تعيينها بقولهم له: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي (2) البقرة: 68) * (وما لونها) * (2) البقرة: 69) ولو كانت منكرة، لما احتيج إلى ذلك للخروج عن العهدة بأي بقرة كانت الثاني أن قوله تعالى: * (إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر) * (2) البقرة: 68)، و * (إنها بقرة صفراء) * (2) البقرة: 69)، و * (إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث) * (2) البقرة: 71) والضمير في هذه جميع الكنايات (1) يجب صرفه إلى ما أمروا به أولا.
وبيانه من وجهين: الأول أنه لو لم يكن كذلك، لكان تكليفا بأمور مجددة غير ما أمروا به أولا، ولو كان كذلك لكان الواجب من تلك الصفات المذكورة آخرا دون ما ذكر أولا، وهو خلاف الاجماع على أن المأمور به كان متصفا بجميع الصفات المذكورة.
الثاني أنه لو لم يكن كذلك للزم منه أن لا يكون الجواب مطابقا للسؤال، وهو خلاف الأصل.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن البقرة المأمور بها كانت معينة في نفس الامر، بل منكرة مطلقا، فلا تكون محتاجة إلى البيان لامكان الخروج عن العهدة بذبح أي بقرة اتفقت، ولا يكون ذلك من صور النزاع.
قولهم إنهم سألوا عن تعيينها، ولو أمروا بمنكر، لما سألوا عن تعيينه.