أما أولا فلانه لو كان البيان حاصلا، لفهموه ظاهرا، ولما سألوا عنه وأما ثانيا فلان الامر بالذبح كان مطلقا، والامر المطلق على التراخي عند صاحب هذه الحجة على ما سبق تقريره. ولو كان على الفور فتأخير بيانه عنه أيضا غير ممتنع على أصله، لكونه قائلا بجواز التكليف بما لا يطاق، كما سبق تحقيقه.
الحجة الخامسة: أنه لما نزل قوله تعالى: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم، أنتم لها واردون) * (21) الأنبياء: 98) قال عبد الله بن الزبعرى فقد عبد ت الملائكة والمسيح أفتراهم يعذبون والنبي (ص)، لم ينكر عليه، بل سكت إلى حين ما نزل عليه بيان ذلك بعد حين، وهو قوله: * (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) * (الأنبياء: 101) (1) وذلك يدل على جواز التأخير.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أن الآية لم تكن بينة حتى أنها تحتاج إلى بيان، فإن الملائكة والمسيح إنما يمكن القول بدخولهم في عموم الآية، إذ لو كانت (ما) تتناول من يعلم ويعقل، وهو غير مسلم، وإذا لم تكن متناولة لهم، فلا حاجة إلى إخراج ما لا دخول له في الآية عنها.
فإن قيل: دليل تناول (ما) لمن يعلم ويعقل النص والاطلاق والمعنى.
أما النص فقوله تعالى: * (وما خلق الذكر والأنثى) * (92) الليل: 3)، وقوله تعالى: * (والسماء وما بناها) * (91) الشمس: 5) وقوله تعالى: * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * (109) الكافرون: 3) وأما الاطلاق فمن وجهين:
الأول أن (ما) قد تطلق بمعنى (الذي) باتفاق أهل اللغة، و (الذي) يصح إطلاقها على من يعقل بدليل قولهم: الذي جاء زيد فما كذلك.
الثاني أنه يصح أن يقال: ما في داري من العبيد أحرار.
وأما المعنى فمن وجهين:
الأول هو أن ابن الزبعرى كان من فصحاء العرب، وقد فهم تناول (ما) لمن يعقل، والنبي (ص)، لم ينكر عليه ذلك.