قلنا: ظاهر الامر يدل على التنكير، حيث قال: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * (2) البقرة: 67). والقول بالتعيين مخالف للتنكير المفهوم من اللفظ، وليس الحمل على التعيين ضرورة تصحيح سؤالهم ومخالفة ظاهر النص أولى من العكس، بل موافقة ظاهر لنص أولى.
قولكم في الوجه الثاني إن الضمير في جميع الكنايات عائد إلى المأمور به أولا، لا نسلم ذلك.
قولهم لو لم يكن كذلك، لكان ذلك تكليفا بأمور مجددة مسلم، وما المانع منه؟
قولكم: لو كان كذلك، لكان الواجب من تلك الصفات المذكورة آخرا دون ما ذكر أولا، لا نسلم ذلك. وما المانع أن يكون قد أوجب عليهم بعد السؤال الأول ذبح بقرة متصفة بالصفات المذكورة أولا، ثم أوجب بعد ذلك اعتبار الصفات المذكورة ثانيا، ولا منافاة بين الحالتين.
قولكم: لو كان كذلك، لما كان الجواب مطابقا للسؤال، وهو خلاف الأصل فهو معارض بما روي عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: لو ذبحوا أية بقرة أرادوا لأجزأتهم، لكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم (1).
وهذا يدل على أن ذلك كان ابتداء إيجاب لا بيانا، لان البيان ليس بتشديد بل تعيين ما هو الواجب. ولا يخفى أن موافقة ظاهر النص الدال على تنكير البقرة وظاهر قول ابن عباس أولى من موافقة ما ذكروه من لزوم مطابقة الجواب للسؤال، لما فيه من موافقة الأصلين، ومخالفة أصل واحد، وما ذكروه بالعكس.
ثم وإن سلمنا أن المأمور به كان بقرة معينة في نفس الامر، غير أنهم سألوا البيان الاجمالي أو التفصيلي؟
الأول ممنوع، والثاني مسلم. ولا يلزم من جواز تأخير البيان التفصيلي، تأخير البيان الاجمالي، كما هو مذهب أبي الحسين البصري. وليس تقييد سؤالهم بطلب البيان مع إطلاقه، بالاجمالي، أولى من التفصيلي، ولا محيص عنه. وربما أورد على هذا الاحتجاج ما لا اتجاه له، كقولهم: ما المانع أن يكون البيان مقارنا للمبين غير أنهم لم يتبينوا أن الامر بالذبح كان ناجزا، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع.