قلنا: قوله * (ما ننسخ من آية) * (2) البقرة: 106) إما ان يراد به نسخ رسمها، أو نسخ حكمها.
فإن كان الأول فهو ممتنع، فإنه وصف البدل بكونه خيرا منها، والقرآن خير كله ولا يفضل بعضه على بعض (1). وإن كان الثاني فذلك يدل على أن الحكم الناسخ يكون خيرا من الحكم المنسوخ أو مثله.
ونحن نقول إنه لا يمتنع أن يكون الحكم الناسخ، أصلح في التكليف وأنفع للمكلف.
وأما الوجه الثاني فلا دلالة فيه لان السنة إذا كانت ناسخة فالآتي بما هو خير إنما هو الله تعالى، والرسول مبلغ، ولا يدل ذلك على أن الناسخ لا يكون إلا قرآنا بل الاتيان بما هو خير أعم من ذلك.
وأما الوجه الثالث، فلا دلالة فيه على لزوم المجانسة بين الآية المنسوخ حكمها وبين ناسخه، لأنه وصفه بكونه خيرا، والقرآن لا تفاوت فيه، على ما سبق، فعلم أن المفاضلة والمماثلة إنما هي راجعة إلى الحكم المنسوخ والحكم الناسخ على ما سبق.
وعلى هذا، فلا نسلم أنه إذا قال له ما آخذ منك درهما إلا وآتيك بخير منه أنه يدل على المجانسة، فإن ما هو خير أعم من الجنس، فكأنه قال آتيك بشئ هو خير مما أخذت منك والمذكور أولا. وإن كان هو الآية والضمير في قوله بخير منها، وإن كان عائدا إليها فلا يلزم منه المجانسة بين المضمر والمظهر.
وأما الوجه الرابع، فنحن قائلون بموجبه، فإن المتمكن من إزالة الحكم بما هو خير منه إنما هو الله عز وجل.
الوجه الثاني أن الآية تدل على أنه لا بد في نسخ كل آية من الاتيان بآية هي خير منها أو مثلها ضرورة الاخبار، ولكن ليس في ذلك دلالة على أن الآية المأتي بها هي الناسخة لامكان أن يكون بدلا عن الآية الأولى وإن كان الناسخ غيرها.