وأما إن كان الناسخ لحكم الاجماع الأول هو القياس، فلا بد وأن يكون مستندا إلى أصل ثابت بالنص، والكلام في نسخ النص به مما يفضي إلى الدور، كما قررناه قبل.
فإن قيل: فلو اختلفت الأمة في المسألة على قولين، فقد أجمعت على أن المقلد له الاخذ بأي القولين شاء. ولو أجمعت بعد ذلك على أحد القولين، فقد أجمعت على حصر (1) ما أجمعت أولا عل تجويزه، وهو نسخ حكم الاجماع بالاجماع.
قلنا: نحن لا نسلم تصور انعقاد الاجماع الثاني على ما سبق في مسائل الاجماع.
المسألة الثانية عشرة مذهب الجمهور أن الاجماع لا ينسخ به، خلافا لبعض المعتزلة وعيسى بن أبان (2).
ودليل الامتناع أن المنسوخ به إما أن يكون حكم نص أو إجماع أو قياس:
الأول محال، لان الاجماع إما أن يكون مستندا إلى دليل أو ليس مستندا إلى دليل فإن لم يكن مستندا إلى دليل فهو خطأ.
وإن كان مستندا إلى دليل، فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا لا جائز أن يكون قياسا لما سنبينه بعد. وإن كان نصا فالناسخ ذلك النص، لا الاجماع وإن قيل إن الاجماع ناسخ، فليس إلا بمعنى أنه يدل على الناسخ، وإن كان ناسخا لحكم إجماع سابق، فهو باطل بما في المسألة التي قبلها. وإن كان ناسخا لحكم قياس، فالقياس إما أن يكون صحيحا أو لا يكون صحيحا: فإن كان صحيحا، فإجماع الأمة على خلاف مقتضاه، إن كان لا لدليل فهو خطأ، وإن كان لدليل، فذلك الدليل إما أن يكون نصا أو قياسا: فإن كان نصا فالرافع لحكم ذلك القياس هو النص، وإن كان قياسا، فإما أن يكون راجحا على القياس الأول، أو مرجوحا، أو مساويا: فإن كان راجحا، فالأول لا يكون مقتضاه ثابتا لان شرط ثبوت الحكم رجحان مقتضيه، وكذلك إن كان مساويا، وإن كان القياس الأول راجحا، فالاجماع على القياس الثاني خطأ، وهو ممتنع.