فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه. وبيانه من جهة العقل، والسمع أما من جهة العقل، فهو أن النسخ إما أن يكون لا لمصلحة أو لمصلحة:
فإن كان الأول، فهو عبث وقبيح، فلا يكون جائزا على الشارع.
وإن كان لمصلحة: فإما أن تكون أدنى من مصلحة المنسوخ، أو مساوية لها، أو راجحة عليها:
فإن كان الأول فهو أيضا ممتنع، لما فيه من إهمال أرجح المصلحتين واعتبار أدناهما وإن كان الثاني، فليس الناسخ أولى من المنسوخ، فلم يبق غير الثالث.
وإذا كان النسخ إنما يكون للأصلح والأنفع والأقرب إلى حصول الطاعة، وذلك (1) إنما يكون بنقل المكلفين من الأشد إلى الأخف، ومن الأصعب إلى الأسهل، لكونه أقرب إلى حصول الطاعة، وأسهل في الانقياد، وإذا كان بالعكس، كان إضرارا بالمكلفين، لأنهم إن فعلوا، التزموا المشقة الزائدة.
وإن تركوا استضروا بالعقوبة والمؤاخذة، وذلك غير لائق بحكمة الشارع.
وأما من جهة السمع، فنصوص:
أولها قوله تعالى: * (يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الانسان ضعيفا) * (4) النساء: 28) ولا تخفيف في نسخ الأخف إلى الأثقل.
وثانيها قوله تعالى: * (يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر) * (2) البقرة: 185) وفي نسخ الأخف إلى الأثقل إرادة العسر، وفيه تكذيب خبر الصادق.
وثالثها قوله تعالى: * (ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم) * (7) الأعراف: 157) والإصر هو الثقل، أخبر أنه يضع عنهم الثقل الذي حمله للأمم قبلهم، فلو نسخ ذلك بما هو أثقل منه كان تكذيبا لخبره تعالى، وهو محال.
ورابعها قوله تعالى: * (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) * (2) البقرة: 106)