وقد احتج عليهم بإلزامات أخر.
منها أن العمل كان مباحا في يوم السبت، ثم حرم على موسى وقومه.
ومنها أن الختان كان في شرع إبراهيم جائزا بعد الكبر، وقد أوجبه موسى يوم ولادة الطفل ومنها أن الجمع بين الأختين كان مباحا في شريعة يعقوب، وقد حرم ذلك في شريعة من بعده.
ولقائل أن يقول: العمل في يوم السبت، وكذلك الختان في حالة الكبر، وكذلك الجمع بين الأختين كان مباحا بحكم الأصل، ورفع ما كان ثابتا بحكم الأصل العقلي لا يكون نسخا كما علم فيما تقدم.
فإن قيل: لو كان النسخ جائزا عقلا، لم يخل نسخ ما أمر به إما أن يكون لحكمة ظهرت لم تكن ظاهرة حالة الامر، أو لا يكون كذلك:
فإن لم يكن لحكمة ظهرت له، كان عابثا، والعبث على الحكيم محال.
وإن كان الأول: فقد بدا له ما لم يكن، والبداء على الله تعالى محال.
وأيضا فإنه لو جاز نسخ الأحكام الشرعية لكون التكليف بها مصلحة في وقت، ومفسدة في وقت، لجاز نسخ ما وجب من الاعتقادات في التوحيد وما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز، وهو محال.
وأيضا فإن الخطاب المنسوخ حكمه.
إما أن يكون موقتا بوقت، أو هو دال على التأبيد.
فإن كان الأول، فهو غير قابل للنسخ لانتهائه بانتهاء ذلك الوقت.
وإن كان الثاني، فهو محال من أربعة أوجه:
الأول: إنه من ذلك اعتقاد المكلف دوام الحكم وتأييده، وهو جهل قبيح، وما لزم منه القبيح فهو قبيح.
الثاني: أنه يلزم منه أن لا يبقى لنا طريق إلى معرفة التأبيد بتقدير إرادة التأبيد وذلك مما يوجب إعجاز الرب تعالى عن إعلامنا بالتأبيد، وهو محال.