وأما الناسخ، فإنه قد يطلق على الله تعالى، فيقال: نسخ فهو ناسخ.
ومنه قوله تعالى * (ما ننسخ من آية) * (2) البقرة: 106) وقوله تعالى * (فينسخ الله ما يلقى الشيطان) * (22) الحج: 52) وقد يطلق على الآية أنها ناسخة، فيقال: آية السيف نسخت كذا فهي ناسخة.
وكذلك على طريق يعرف به نسخ الحكم من خبر الرسول وفعله وتقريره وإجماع الأمة وعلى الحكم فيقال وجوب صوم رمضان نسخ وجوب صوم عاشوراء، فهو ناسخ، وعلى المعتقد لنسخ الحكم، فيقال: فلان ينسخ القرآن بالسنة، أي يعتقد ذلك، فهو ناسخ.
غير أن الاجماع منعقد على أن إطلاق اسم ناسخ على الحكم وعلى المعتقد للنسخ مجاز، وإنما الخلاف بيننا وبين المعتزلة في أنه حقيقة في الله تعالى أو في الطريق المعرف لارتفاع الحكم.
فعندهم الناسخ في الحقيقة هو الطريق، حتى قالوا في حده: إن الناسخ هو قول صادر عن الله تعالى أو عن رسوله أو فعل منقول عن رسوله، يفيد إزالة مثل الحكم الثابت بنص صادر عن الله تعالى أو بنص أو فعل منقول عن رسوله، مع تراخيه عنه على وجه لولاه لكان ثابتا.
وأما نحن فمعتقدنا أن الناسخ في الحقيقة إنما هو الله تعالى، وأن خطابه الدال على ارتفاع الحكم هو النسخ، وإن سمي ناسخا، فمجاز.
وحاصل النزاع في ذلك آيل إلى اللفظ.
وأما المنسوخ فهو الحكم المرتفع كالمرتفع من وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاة النبي (ص)، وحكم الوصية للوالدين والأقربين، وحكم التربص حولا كاملا عن المتوفى عنها زوجها إلى غير ذلك.