قال علي: وهذا يبطل بأن هذه الآية إنما جاءت بإيجاب ما ذكر قبلها من الامر الذي هو النطق قال الله عز وجل: * (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * فصح أن هذا الوعيد في أمره لهم بالبقاء معه، وكذلك كان عليه السلام لا يؤذن لشئ من صلوات التنفل كالعيدين والكسوف تفريقا بين الفعل والامر، إذ لو دعوا إلى الصلاة لكان أمرا، والامر فرض.
وقد حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم، ثنا زهير بن حرب، ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا نترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه، فكأنهم كرهوه وتنزهوا عنه، فبلغه ذلك فقام خطيبا فقال: ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه فكرهوه وتنزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية.
قال علي: فهذا نص جلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم ترك فعل ما فعل، فصح أنه ليس ذلك واجبا، ولو كان واجبا لأنكر تركه، وإنما أنكر عليهم إنكاره، والتنزه عنه، وهذا منكر جدا، وقد أنكر عليهم ترك أمره، فوضح الفرق بين الفعل والامر لمن عقل، وبالله تعالى التوفيق.
وبه إلى مسلم حدثنا محمد بن رافع، وعبيد الله بن معاذ، وابن أبي عمر، وقتيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو كريب، وأبو بكر بن أبي شيبة، قال ابن رافع:
ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن همام بن منبه، وقال ابن معاذ: ثنا أبي، ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، وقال ابن أبي عمر: ثنا سفيان - وهو ابن عيينة - عن أبي الزناد، عن الأعرج، وقال قتيبة: ثنا المغيرة الخرامي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، وقال ابن نمير: ثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي صالح السمان. وقال ابن أبي شيبة، وأبو كريب: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، ثم اتفق همام ومحمد بن زياد والأعرج وأبو صالح، كلهم عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم. وهذه