قال أبو محمد: فهذا عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة جميع الصحابة - رضي الله عنهم -: يعلن ويعترف بأنه يقول القول لم يجده في قرآن وفي سنة وأنه ليس كما قال. ولا ينكر ذلك أحد من الصحابة، ويأمر باتباع القرآن ولا يخالفه في ذلك أحد منهم، فصح أن قولنا بألا يتبع ما روي عن أحد من الصحابة إلا أن يوجد في قرآن أو سنة هو إجماع الصحابة الصحيح، وأن وجوب اتباع النصوص هو الاجماع الصحيح، وهو قولنا والحمد لله رب العالمين، وأن من خالف هذين القولين فقد خالف الاجماع الصحيح. وكذلك من قلد إنسانا بعينه في جميع أقواله، أو جهل وكده الاحتجاج بجميع أقوال إنسان بعينه، كما فعل الحنفيون والمالكيون والشافعيون -: خلاف متيقن لجميع عصر الصحابة، ولجميع عصر التابعين، ولجميع عصر تابعي التابعين أولهم عن آخرهم، فنحن ولله الحمد المتبعون للاجماع، وهم المخالفون للاجماع المتيقن، نسأل الله تعالى أن يفئ بهم إلى الهدى وأن يثبتنا عليه.
فصل وأما من قال: إن الاجماع لا يجوز لاحد خلافه، فقول صحيح. وضعوه موضع تلبيس، وأخرجوه مخرج تدليس، وصارت كلمة حق أريد بها باطل، وذلك أنهم أوهموا أن ما لا إجماع فيه، فإن الاختلاف فيه سائغ جائز.
قال أبو محمد: وهذا باطل، بل كل ما أجمع عليه أو اختلف فيه فهما سوا في هذا الباب، فهلا يحل لاحد خلاف الحق أصلا سواء أجمع عليه أو اختلف فيه، فإن قيل: فهلا عذرتم من خالف الاجماع كما عذرتم من خالف فيم فيه خلاف؟
قلنا: كلا لعمري ما فعلنا شيئا مما تقولون، ولا فرق عندنا فيما نسبتم إلينا الفرق بينه بل قولنا الذي ندين الله تعالى به هو أنه لا حق في الدين فيما جاء به كلام الله تعالى في القرآن، أو بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحي المنزل إليه، وأنه لا يحل لاحد خلاف شئ من ذلك، فمن جهل وأخطأ قاصدا إلى الخير، لم يتبين له الحق ولا فهمه، فخالف شيئا من ذلك فسواء أجمع عليه أو اختلف