في حي، وأن الحي هو الحساس المتحرك بإرادة، وأن المميز هو بعض الحي لا كله، وأن حد التمييز هو إمكان معرفة الأشياء على ما هي عليه، وإمكان التصرف في الصناعات والأعمال المختلفة بإرادة، وأيقنا أن كل هذه الصفات ليست الأرض، ولا الأفلاك، ولا الجبال له حاملة، علمنا أن هذه اللفظة، التي أخبرنا بها تعالى عن هذه التي ليست أحياء، لفظة منقولة عن معهودها عندنا إلى معان أخر من صفات هذه الأشياء المخبر عنها، الموجودة فيها على الحقيقة، ومن تعدى هذه الطريقة فقد لبس الأشياء، ورام إطفاء نور الله تعالى الموضوع فينا.
وبالجملة فمن أراد إخراج الأمور عن حقائقها في المبادئ، ثم عن حقائقها في المعاهد فينبغي أن يتهم في دينه، وسوء أغراضه، فإن سلم من ذلك فلا بد من وصمة في عقله، أو قوة في جهله، إلا أن هذا كله لا يعتر ض على الوجه الأول، لان الانطاق الذي كان وضعه الله تعالى فيها حينئذ قد سلبها إياه، إذ أبت قبول الأمانة، وإنما يعترض بهذا كله على من يقول: إنها باقية على نطقها إلى اليوم، فهذا باطل لا شك فيه بما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق.
وقد ذكر رجل من المالكيين - يلقب خويز منداد: أن للحجارة عقلا، ولعل تمييزه يقرب من تمييزها، وقد شبه الله قوما زاغوا عن الحق بالانعام وصدق تعالى، إذ قضى أنه أضل سبيلا منها، فإن الانعام لا تعدوا ما رتبها ربها لها من طلب الغذاء، وإرادة بقاء النوع، وكراهة فسادها بعد كونها، وهؤلاء رتبهم خالقهم عز وجل ليعرفوا قدرته، وإنها بخلاف قدرة من خلق، وليعرفوا رتبة ما خلق على ما هي عليه، فبعدوا ذلك، فمن مشبه قدرة ربه تعالى بقدرة المخلوقين ومن مريد أن يجرى على ربه تعالى حكم عقله فيصرفه به، تعالى الله عما يقول أهل الظلم علوا كبيرا. ومن مفسد رتب المخلوقات، وساع في إبطال حدودها، وإفساد الاستدلال بها على التوحيد وكل حزب بما لديهم فرحون وسيرد الجميع إلى عالم الغيب والشهادة فيحكم بيننا فيما فيه نختلف، وتالله لتطولن ندامة من لم يجعل حظه من الدين والعلم إلا نصر قول فلان بعينه، ولا يبالي ما أفسد من الحقائق في تلك السبيل العضلة، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، فقال هذا الجاهل: إن من الدليل على أن الحجارة تعقل قوله تعالى: * (إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار