قلت: أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: إنك ستأتيه وتطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا.
قال علي: لم يشك عمر قط مذ أسلم في صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعاذ الله من أن يظن ذلك به ذو مسكة، ولكنه شك في وجوب اتباع ما أمرهم به من الحلق والنحر، وإمضاء القضية بينه وبين قريش، ثم ندم على ذلك كما ترى، وعمل لذلك أعمالا مستغفرا مما سلف منه، من الامر الذي ينصره الآن من أضله الله تعالى بالتقليل الفاسد، ومثل هذا، من غير أهل الحديبية، فسق شديد، ولكنهم بشهادته صلى الله عليه وسلم مغفور لهم لا يدخله النار منهم أحد إلا صاحب الجمل الأحمر وحده.
قال علي: وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم دينهم في هذا الباب، كما ثنا يحيى بن عبد الرحمن، ثنا ابن دحيم، ثنا إبراهيم بن حماد، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا نصر بن علي، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: ثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: حلق يوم الحديبية رجال، وقصر آخرون فذكر ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثا، وعلى المقصرين واحدة، بعد أن ذكر بهم ثلاث مرات فقالوا: ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يشكوا.
قال علي: لم يشكوا في وجوب تنفيذ أمره، وشك المترددون فعوقبوا كما ترى، وإن كانوا مغفورا لهم كلهم، وكذلك الذين فروا من الزحف يوم أحد، فأخبر تعالى أنه إنما استفزهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ثم أخبر تعالى أنه عفا عنهم، فمن اقتدى بهم في الفرار من الزحف فهو غير حاصل على ما حصلوا عليه من العفو، بل يبوء بغضب من الله تعالى.
ولا عجب أعجب ممن يقتدي بأهل الحديبية في خطيئة وقعت منهم قد ندموا عليها، واعترفوا بها، وينهى عن الاقتداء بهم في فعل فعلوه كلهم، موافق لرضا الله عز وجل، ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم في نحرهم البدنة في ذلك اليوم عن سبعة، والبقرة عن سبعة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم نحروا سبعين بدنة عن سبعمائة إنسان ما سوى البقر، فيقول هؤلاء: لا يجوز الاقتداء بهم في ذلك تقليدا لما لك ثم يحض على الاقتداء بهم في خطيئة أخطؤوها قد تابوا منها، فهل في عكس الحقائق