قال علي: والجمع بلفظ المعرفة والنكرة سواء في اقتضاء الاستيعاب، كقوله تعالى: * (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) * فهذا عموم لكل قوم لا يؤمنون، وهو بلفظ النكرة كما ترى، وقد ظن قوم أن الجمع إذا جاء بلفظ النكرة فإنه لا يوجب العموم، فقالوا: قولك جاء رجال لا يفهم منه العموم، كما يفهم من قولك جاء الرجال.
قال علي: وهذا ظن فاسد لا دليل عليه، وإنما هو ألفه لما وقع في أنفسهم في عادات سواء استعملوها في تخاطبهم، وبخلاف معهود اللغة في الحقيقة، وقد أبطلنا ذلك بالآية التي ذكرنا آنفا، وبالله تعالى التوفيق.
الباب الخامس عشر في الاستثناء قال علي: قد بينا في باب الاخبار وفي باب العموم والخصوص كيفية الاستثناء، ونحن الآن متكلمون - إن شاء الله عز وجل بتأييده لنا - في ماهية الاستثناء وأنواعه، فنقول وبالله تعالى التوفيق.
إن الاستثناء هو تخصيص بعض الشئ من جملته، أو إخراج شئ ما مما أدخلت فيه شئ آخر، إلا أن النحويين اعتادوا أن يسموا بالاستثناء ما كان من ذلك بلفظ: حاشا، وخلا، وإلا، وما لم يكن، وما عدا، وما سوى، وأن يجعلوا ما كان خبرا من خبر كقولك: اقتل القوم ودع زيدا، مسمى باسم التخصيص لا استثناء، وهما في الحقيقة سواء على ما قدمنا.
قال علي: واختلفوا في نحو من أنحاء الاستثناء، فقالت طائفة: لا يجوز أن يستثنى الشئ من غير جنسه أو نوعه المخبر عنه، وقالت طائفة: جائز أن يستثنى الشئ من غير جنس أو المخبر عنه، وبكلا هذين القولين قالت طوائف من أصحابنا الظاهرين، ومن إخواننا القياسيين.
قال علي: ونحن نقول: إن استثناء الشئ من غير جنسه ونوعه المخبر عنه جائز، واسمه في العربية عند النحويين الاستثناء المنقطع، وهو حينئذ ابتداء خبر آخر كقائل قال: أتاني المسلمون إلا اليهود، فهذا جائز كأنه قال: إلا اليهود فإنهم لم يأتوني،