) * نسخ بعضها قوله صلى الله عليه وسلم: لا وصية لوارث وقد قال قوم: إن آيات المواريث نسخت هذه الآية.
قال أبو محمد: وهذا خطأ محض، لان النسخ هو رفع حكم المنسوخ ومضاد له، وليس في آية المواريث ما يمنع الوصية للوالدين والأقربين إذ جائز أن يرثوا ويوصى لهم مع ذلك من الثلث، ومن بديع ما يقع لمن قال: إن القرآن لا تنسخه السنة، أنهم نسوا أنفسهم، فجعلوا حديث عمران بن الحصين في الستة الأعبد، ناسخا لوصية الوالدين والأقربين، فأثبتوا ما نفوا وصححوا ما أبطلوا، وقد تكلمنا في بطلان ذلك فأغنى عن ترديده، ولا فرق بينهم في دعواهم لذلك وبين من قال: بل الآية نسخت حديث الستة الأعبد.
ومما نسخ من السنة بالقرآن: صلحه صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية إلى المدة التي كانت، ثم نسخ الله تعالى ذلك في سورة براءة، ولم يجز لنا صلح مشرك إلا على الاسلام فقط، حاشا أهل الكتاب، فإنه تعالى أجاز صلحهم على أداء الجزية مع الصغار، وأبطل تعالى تلك الشروط كلها، وتلك المدة كلها، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في نسخ الفعل بالامر والامر بالفعل قال أبو محمد: قد بينا أن كل ما فعله صلى الله عليه وسلم من أمور الديانة، أو قاله منها فهو وحي من عند الله عز وجل، بقوله تعالى: * (إن أتبع إلا ما يوحى إلى) * وبقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى) * والله تعالى يفعل ما يشاء فمرة ينزل أوامره بوحي يتلى، ومرة بوحي ينقل ولا يتلى، ومرة بوحي يعمل به ولا يتلى ولا ينقل، لكنه قد رفع رسمه وبقي حكمه، ومرة أن يري نبيه صلى الله عليه وسلم في منامه ما شاء، ومرة يأتيه جبريل بالوحي، لا معقب لحكمه، فجائز نسخ أمره صلى الله عليه وسلم بفعله، وفعله بأمره، وجائز نسخ القرآن بكل ذلك، وجائز نسخ كل ذلك بالقرآن وكل ذلك سواء ولا فرق. وكذلك الشئ يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقره ولا ينكره، وقد كان تقدم عنه تحريم جلي، فإن ذلك نسخ لتحريمه، لأنه مفترض عليه التبليغ، وإنكار المنكر، وإقرار المعروف، وبيان اللوازم، وهو معصوم من الناس، ومن خلاف ما أمره به