فصل في رد المؤلف على القائلين قال أبو محمد: قال بعض القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ فقال: وهذا وجه من وجوه الحكمة، يجوز أن يكون علم الله تعالى أن يرفع هذا اللفظ يصلح ما لا يصلح ببقائه، وذلك أنه إذا رفع تعالى الكل فقد علم أننا سنقبل على الامر الناسخ، ولا تتداخلنا فيه الشكوك، لان الله تعالى علم أن سيكون قوم من خلقه يبطلون النسخ، فكانوا يضلون ببقاء اللفظ المنسوخ فرفعه لهذا المعنى.
قال أبو محمد: وهذا من أفسد قول في الأرض وأسقطه، ويقال لمن قال بهذا الهجر: أكان الله تعالى غير قادر من وجوه الصلاح على أكثر من أن يرفع بعض كلامه لئلا يضل به قوم من خلقه؟ أو كان قادرا على أن يكفيهم هذه المؤنة كلها، ويهديهم بأن يبين لهم المنسوخ بيانا جليا يرفع به عنهم الشكوك والحيرة؟ فإن قال: لم يقدر الله تعالى على أكثر، كفر ووصف نفسه من القدرة بأكثر مما وصف به خالقه عز وجل لأنه دائبا يشرح بزعمه، ويبين ليهدي الناس فيما يدعي، وإن قال: بل إنه تعالى قادر على ما ذكرت، قيل له: فقد فعل ما غيره أصلح لهم منه، وهذا ضد مذهبك الفاسد.
ويقال له أيضا: إذا كانت الحكمة عندك رفع لفظ بعض المنسوخ جملة، لئلا يضل به قوم، فلأي شئ أبقى تعالى لفظا آخر منسوخا حتى ضل به جماعة أنت أحدهم؟ في أشياء كثيرة تدعي أنت فيها النسخ ويخالفك فيها غيرك، وأشياء كثيرة تدعي أنت أنها غير منسوخة ويدعي غيرك فيها النسخ، فأين تلك الحكمة التي تطالب بها ربك تعالى؟ وما الذي جعل رفع ما رفع أولى بالرفع من المنسوخ الذي أبقي لفظه، حتى تحيرت فيه طوائف من أهل الملة؟ وما الذي جعل إبقاء ما أبقي لفظه المنسوخ أولى بالابقاء مما رفع لفظه من المنسوخ؟ وما الذي أوجب نقض الحكم بما كان أمس فرضا ثم حرم اليوم، أو ما كان حراما أمس ثم أبيح اليوم؟
وهل هذا هنا حال استحالت أو طبيعة انتقضت، فأوجب ذلك تبديل الشرائع، إن هذا لهو الضلال البعيد، والغناء الشديد، والجهل المظلم، والقحة الزائدة، وما