ثم ينسخه عنا قبل أن يتم عمل ذلك، وليس الكذب في الأمر والنهي مدخول إنما يدخل الكذب في الاخبار، فلو أن الامر خرج بهذا التحديد بلفظ الخبر لم يجز نسخه، لأنه كان يكون كذبا مجردا، إذ في الاخبار يقع الكذب، وهذا بخلاف الامر إذا خرج بلفظ الخبر غير مرتبط بتحديد وقت، فالنسخ جائز فيه، لأنه ليس يكون حينئذ كذبا، وإنما يكون النسخ حينئذ بيانا للوقت الذي لزمنا فيه ذلك العمل، فما جاء بلفظ الخبر على التأييد فلا يجوز نسخه قول الله: هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي فلو بدل لكان هذا القول كذبا، ومنه لابد الأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، والقول في المتعة فهي حرام بحرمة الله ورسوله إلى يوم القيامة، فلو نسخ هذان الأمران لكان هذان القولان كذبا إذ كان يبطل وجوده ما أخبرنا بوجوده إلى يوم القيامة، وبالله تعالى التوفيق.
فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا بعد أن اتفقوا على جواز نسخ القرآن بالقرآن، وجواز نسخ السنة بالسنة، فقالت طائفة: لا تنسخ السنة بالقرآن ولا القرآن بالسنة، وقالت طائفة: جائز كل ذلك، والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة.
قال أبو محمد: وبهذا نقول وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر والسنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضا، وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن، وبرهان ذلك ما بيناه في باب الاخبار من هذا الكتاب، من وجوب الطاعة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن ولا فرق، وأن كل ذلك من عند الله بقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فإذا كان كلامه وحيا من عند الله عز وجل، والقرآن وحي، فنسخ الوحي بالوحي جائز، لان كل ذلك سواء في أنه وحي.
واحتج من منع ذلك بقوله تعالى: * (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأننا لم نقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم