ذلك القول قد ارتفع، لأنه عليه السلام لا يفعل شيئا محرما، ولا يجوز أن يقال في شئ فعله عليه السلام أنه خصوص له إلا بنص في ذلك، لأنه عليه السلام قد غضب على من قال ذلك، وكل شئ أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حرام، وذلك مذكور في حديث الأنصاري الذي سأله عن قبلة الصائم، فأخبره عليه السلام أنه يفعل ذلك، فقال الأنصاري: يا رسول الله إنك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بما آتي وما أذر أو كما قال عليه السلام.
فلا يحل لاحد بعد هذا أن يقول في شئ فعله عليه السلام: إنه خصوص له، إلا بنص مثل النص الوارد في الموهبة بقوله تعالى: * (خالصة لك من دون المؤمنين) *، ومثل وصاله عليه السلام في الصوم، وقوله ناهيا لهم: إني لست كهيئتكم، ومثل نومه - عليه السلام وصلاته دون تجديد وضوء، فسئل عليه السلام عن ذلك، فقال: عيناي تنامان ولا ينام قلبي فما جاء فيه بيان كما ذكرنا فهو خصوص، وما لم يأت فيه نص كما قلنا فلنا أن نتأسى به عليه السلام، ولنا في ذلك الاجر الجزيل، ولنا أن نترك غير راغبين عن ذلك فلا نأثم ولا نؤجر.
فمما جاء كما ذكرنا: نهيه عليه السلام عن الصلاة قائما، إذا صلى الامام جالسا، ثم هو عليه السلام صلى جالسا في مرضه الذي مات فيه، وصلى أبو بكر مذكرا إلى جانبه قائما فأقر، فعلمنا أن ذلك نسخ لايجاب الجلوس عن المذكر خاصة، فإن شاء صلى جالسا، وذلك أفضل عندنا، وإن شاء قائما، كل ذلك جائز حسن.
وكذلك قلنا في حضه عليه السلام على صيام يوم عرفة، ثم أفطر عليه السلام فيه، فقلنا: صيامه أفضل للحاج وغيره، وإفطاره مباح حسن، وقد روت عائشة: أنه عليه السلام كان يترك الفعل وهو يحبه، خشية أن يفعله الناس فيفرض عليهم، كما فعل عليه السلام في قيام الليل في رمضان، قام ثم ترك خوفا أن يفرض علينا.
وإنما قلنا هذا لئلا يقول جاهل: أيجوز أن يترك عليه السلام الأفضل،