رواية كل من ذكرنا، ولم يخالفهم همام في شئ إلا أنه قال: * (ما تركتكم) *.
قال أبو محمد:، وهذا خبر منقول نقل التواتر عن أبي هريرة فلم يوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد إلا ما استطاع مما أمر به، واجتناب ما نهى عنه فقط، ولا يجوز البتة في اللغة العربية أن يقال: أمرتكم بما فعلته، وأسقط عليه السلام ما عدا ذلك، وأمرهم بتركه ما تركهم. وقد علمنا بضرورة الحس والمشاهدة أنه عليه السلام، وكل حي في الأرض لا يخلو طرفة عين من فعل، إما جلوس أو مشي، أو وقوف أو اضطجاع، أو نوم أو اتكاء، أو غير ذلك من الافعال، فأسقط عليه السلام عنا كل هذا، وأمرنا بتركه فيه، حاشا ما أمر به أو نهى عنه فقط، فوضح يقينا أن الافعال كلها منه عليه السلام لا تلزم أحدا وإنما فيها الائتساء المتقدمة فقط.
قال أبو محمد: وصح بالحديث الذي قبل هذا، أنه لا حجة في فعل أحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولا في قوله، لان أولئك الذين كرهوا ما فعله عليه السلام، قصدوا بذلك الخير في اجتهادهم، وقد أنكر عليه السلام ذلك فصح أنه لا حجة إلا فيما جاء عنه عليه السلام فقط، والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد: وإنما حضنا الله تعالى في أفعاله عليه السلام على الائتساء به بقوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * وما كان لنا فهو إباحة فقط، لان لفظ الايجاب إنما هو علينا لا لنا، نقول: عليك أن تصلي الخمس، وتصوم رمضان، ولك أن تصوم عاشوراء، وتتصدق تطوعا، ولا يجوز أن يقول أحد في اللغة العربية: عليك أن تصوم عاشوراء وتتصدق تطوعا، ولك أن تصلي الخمس، وتصوم رمضان، هذا الذي لا يفهم سواه في اللغة التي بها خاطبنا الله تعالى بما ألزمنا من شرائعه.
قال أبو محمد: وقال بعضهم: قوله تعالى بعقب الآية المذكورة: * (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * بيان أن ذلك إيجاب لان هذا وعيد.
قال أبو محمد: التأويل خطأ لان الائتساء المندوب إليه في الآية المذكورة إنما هو للمؤمنين الذين يرجون الله واليوم الآخر، ولم يقل تعالى هو على الذين يرجون الله واليوم الآخر وأما الكفار الذين لا يرجون الله واليوم الآخر،