فصل ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم أم الاعصار بعدهم؟ وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع؟
قال أبو محمد: قال سليمان وكثير من أصحابنا: لا إجماع إلا إجماع الصحابة رضي الله عنهم، واحتج في ذلك بأنهم شهدوا التوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح أنه لا إجماع إلا عن توقيف، وأيضا فإنهم رضي الله عنهم كانوا جميع المؤمنين لا مؤمن من الناس سواهم، ومن هذه صفته فإجماعهم هو إجماع المؤمنين، وهو الاجماع المقطوع به، وأما كل عصر بعدهم فإنما بعض المؤمنين لا كلهم، وليس إجماع بعض المؤمنين إجماعا، إنما الاجماع إجماع جميعهم، وأيضا فإنهم كانوا عددا محصورا يمكن أن يحاط بهم وتعرف أقوالهم، وليس من بعدهم كذلك.
قال أبو محمد: أما قوله: إنهم شهدوا التوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، وهذا إنما هو حجة في أنه لا إجماع إلا عن توقيف ولا شك في أن إجماع الصحابة رضي الله عنهم إجماع صحيح، وإنما الكلام في الاعصار بعدهم، وقد عارضه مخالفوه بأن قالوا: قد يجوز أن يحمل أهل عصر بعدهم على دليل نص قرآن أو سنة، فهذا يدخل في التوقيف، وأما قوله: إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا جميع المؤمنين، وإن من بعدهم إنما هو بعض المؤمنين فقول صحيح يعرف صدقه بالعيان والمشاهدة إلا أنه قد عارض مخالفوه في نكتة من هذه الجملة، وهو أنه قال: إن كان هكذا فإنه مذ مات خديجة رضي الله عنها، أو بعض قدماء الصحابة رضي الله عنهم، فإن الباقين منهم إنما هم بعض المؤمنين لا كلهم أيضا، فقل: إن الاجماع إنما هو إجماع من أسلم منهم بمكة قبل أن يموت منهم أحد، فعارضه بعض أصحابنا بأن قال: نعم، هذا حق ، ما جاء قط نص قرآن ولا سنة بتسمية ما اتفق عليه من بقي من بعد من مات إجماعا.
قال بعض أصحابنا: لا، ولكن نقول: إن كل من مات منهم رضي الله عنهم، فنحن موقنون قاطعون بأنه لو كان حيا لسلم الوحي المنزل من القرآن أو البيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يمت إلا مؤمنا بكل ما ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بلا شك، وليس كذلك من بعدهم، لأنه حدث فيمن بعدهم من لا يقول بخبر الواحد الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقطع عليهم بطاعة ما حكم به صلى الله عليه وسلم بخلاف الصحابة الذين من مات منهم فهو داخل في الاجماع بهذه الجملة.