في أحكام الديانة، إلا ما نقلنا عنه نص جلي وبالله تعالى التوفيق، وهذا ما لا يجوز خلافه، والله الموفق للصواب.
فصل من الخطاب الوارد بلفظ الجمع قال علي: وإذا ورد لفظ بصورة جمع وقدر على استيعابه، فلا بد من استيعابه ضرورة، وإلا فقد صحت المعصية وخلاف الامر، فإن لم يقدر على ذلك ولم يكن إلى استيعابه سبيل، فللناس قولان: أحدهما، أنه واجب أن يؤدي من ذلك ما أمكن، وما انتهى إليه الوسع، ولا يسقط عنه إلا ما عجز عنه أو ما قام نص أو إجماع بسقوطه، وبهذا نأخذ، وقالت طائفة: لا يلزم من ذلك إلا أقل ما يقع عليه اسم ذلك الجمع، وهو ثلاثة فصاعدا، وما زاد على ذلك فليس فرضا.
قال علي: والحجة للقول الأول هي حجتنا على القائلين بالخصوص أو الوقف وقد لزم عموم ذلك الجمع بيقين، فلا يسقط بشك ولا بدعوى، فأما ما عجز عنه فساقط، وأما ما لم يعجز عنه فباق على وجوب الطاعة له، ويبين ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
قال علي: فمن ذلك قول الله عز وجل: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * الآية وقوله تعالى * (الوصية للوالدين والأقربين) * فنقول إن الامام القادر على استيعاب جميع مساكين المسلمين وفقرائهم وغازيتهم وسائر الأصناف المسماة، ففر ض عليه استيعابهم، وأما من عجز عن ذلك فمن دونه، فقد أجمعت الأمة بلا خلاف على أن له أن يقتصر على بعض دون بعض، ودل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود إذ سألته أيجزي عني أن أتصدق على زوجي وولدي منه من الصدقة فقال عليه السلام: نعم.
قال علي: فبهذه النصوص صرنا إلى هذا الحكم، والاستيعاب والعموم معناهما واحد، وهذا كله من باب استعمال الظاهر، والوجوب، وقد رام قوم أن يفرقوا بين الاستيعاب والعموم، وهذا خطأ ولا يقدرون على ذلك أبدا، وقال هؤلاء القوم: العموم لبعض ما يقع عليه الاسم عموم ذلك الجزء الذي عم به.
قال علي: فيقال لهم: وكذلك الاستيعاب لبعض ما يقع عليه الاسم استيعاب لذلك الجزء الذي استوعب به ولا فرق.