فصل: في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف قال قوم من أصحابنا ومن غيرهم: لا يجوز نسخ الأخف بالأثقل.
قال أبو محمد: وقد أخطأ هؤلاء القائلون. وجائز نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف، والشئ بمثله، ويفعل الله ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وإن احتج محتج بقوله الله تعالى: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * وبقوله تعالى: * (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) * وبقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وبقوله تعالى * (ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها) * فالا حجة لهم في شئ من ذلك، أما قوله تعالى * (يريد اله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * (وما جعل عليكم في الذين من حرج) * فنعم، دين الله كله يسر، والعسر والحرج هو ما لا يستطاع، أما ما أستطيع فهو يسر وأما قوله تعالى * (يريد الله أن يخفف منه ولا ثقيل البتة إلا وهو خفيف بالإضافة إلى ما هو أثقل منه هذا أمر يعلم حسا ومشاهدة، ولا ولا يشك ذو عقل أن الصلوات الخمس المفروضة علينا أخف من خمسين صلاة، وأنها لو كانت صلاة واحدة كانت أخف علينا من الخمس، وقد خفف الله تعالى عن المسافر فجعلها ركعتين وعن الخائف فجعلها ركعة واحدة، ولو شاء ألا يكلفنا صلاة أصلا لكان أخف بلا شك. وقد نص الله تعالى في الصلاة على أنها كبيرة إلا على الخاشعين، ولا يشك ذو عقل وحس أن صيام شهر أخف من صيام عام، وأن صيام ساعة أخف من صيام يوم، فكل ما كلفنا الله تعالى فهو يسر وتخفيف بالإضافة إلى ما هو أشد مما حمله من كان قبلنا، كما قال الله تعالى آمرا لنا أن ندعوه فنقول: * (ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا وما لا طاقة لنا به) *.
وكما نص تعالى أنه وضع بنبيه صلى الله عليه وسلم الإصر الذي كان عليهم، والاغلال التي كانوا يطوقونها، إذ يقول تعالى: * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم